رغم أن القيمة الفعليَّة، للإعلان الذي وقّعه الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والخاص باعتراف واشنطن “بسيادة” الكيان الصهيوني على الجولان السّوري المحتل، لا تساوي ثمن الحِبر المستخدم في كتابته، إلا أنّه يكشف جزءًا من المشهدية السورية ككل، كون القرار جاء في زمن حقق الجيش العربي السوري وحلفاؤه، انتصارات عظيمة أدّت  الى انحسار أحلام “اليانكي” وحلفائه، في منطقة تُسيطر عليها الفصائل الكُردية. كما لا يمكن فصل قرار ترامب (الهدية)، عن المراحل النهائية للبدءِ بعملية إعادة إعمار سوريا، العملية التي وجدت دول التحالف الإستعماري، أنها ستخرج من “المولِد بلا حُمُص”، لذلك بدأت يتدوير الزّوايا، والإلتفاف على سياستها، بحثاً عن حصّة لها في تلك العملية، التي يُقال أنّها ستكون دسمة جداً.

 

فأن تستنكر دولاً مثل روسيا، الصّين وإيران، إعتراف “ترامب” بالسّيادة الإسرائيلية على الجولان، هو أمر طبيعي، كونها دولاً تعترف وفقاً للشرعية الدولية والقانون الدولي، ومنذ البداية بسيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، وبوحدة التراب السوري، لكن المستغرب حقاً أن تختلف “فرنسا” وهي الدولة الغربية الأولى، التي اعترفت بالكيان الصهيوني عام ١٩٤٩، كما أنها صاحبة الفضل الأكبر في بناء قوة إسرائيل النووية ( مفاعل ديمونا مثالاً)، لأول مرة مع المستعمر الأميركي (بخصوص الملف السوري) وهي أساساً دولة إستعمارية، وذلك بأن أعلنت شجبها لقرار “ترامب”،  وأكّد رئيسها”ماكرون”، إثر لقائه العاهل الأردني، أنّ “الإعتراف بالسّيادة الإسرائيليّة على الجولان المحتلّ يتعارض والقانون الدولي” ( حسب بيان قصر الإليزيه)، وهنا يسأل السّوريون: عن أي قانون دولي تتحدث  “مسيو ماكرون” وبلادك كان لها اليد الطولى في دعم جبهة النصرة، وفي تشريع شراء النفط السوري المسروق، (يذكر ان وزير خارجية فرنسا الأسبق “لوران فابيوس”، أطلق مقولته الشهيرة:  “إن النصرة تنجز شغلاً جيداً في سوريا” ، في اشارةٍ واضحةٍ منه الى أن النصرة تبيع نفطها الى الشركات الفرنسية العاملة في المنطقة ولا تتعرض لها، وفي مقدمة تلك الشركات تأتي “لافارج” عملاق انتاج الاسمنت)؟ ، وأية شرعية دولية تقصدون وأنتم من استباح مالي، النيجر وتشاد، وارتكب جرائم فظيعة في الجزائر، الكونغو وهايتي؟ !!

ثم  لماذا لم تنظروا في مواد القانون الدولي عندما تحالفتم مع “راعي البقر” لتدمير سوريا؟

 

كما يدعو للإستغراب وبشدة، موقف “لص اسطنبول” رجب طيب أردوغان، من اعتراف  “ترامب” المذكور، فالرجل قالها جهاراً: “لن نسمح إطلاقًا بشرعنة احتلال مرتفعات الجولان” ، ولكن نسأله قبلاً: كيف ذلك وأنت من شرعن نهب مصانع حلب(حوالي 1500 مصنع)،  وسرقة ألاف القطع الآثرية التي تثبت أن سوريا هي مهد الحضارة؟، كيف ذلك وأنتم من سهَّل تجارة النّفط، السّلاح، المخدرات والبشر، ويشرعن اليوم، تواجد قواته في مناطق شمال سوريا؟ ألستم من دعم المجموعات الإرهابية بالمال والرجال والسلاح؟!!!!.

 

ومستغربٌ أيضاً موقف بريطانيا،  والذي جاء على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها  “المملكة المتحدة تعتبر هضبة الجولان أرض تحتلها إسرائيل. ضم الأرض بالقوة محظور وفقا للقانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة”.

وهنا يسأل الشعب السوري: عن أي قانون دولي تتحدث هذه الدّول وهي التي أطلقت في نوفمبر/ تشرين الثاني، من عام 1917، وعد بلفور المشؤوم، لزعيم الجالية اليهودية، آنذاك، “ليونيل روتشيلد”، وتعهد فيه بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين؟..ويسأل: لماذا لم تعملوا بموجب القانون الدولي، عندما أكدتم مراراً  أنكم مستعدون للمشاركة في أي هجوم على سوريا، شريطة أن يكون تحت قيادة أميركية؟  وعندما خلقتم ودعمتم  جماعة “الخوذ البيضاء” الإبن الشرعي لجهازِ الإستخبارات البريطانية (M16) لماذا لم تنظروا في مواد الشرعية الدولية؟ . وعندما قال المتحدث الرسمي باسم حكومتكم، “إدوين صمويل” بكل وقاحة أن: بريطانيا تعيد تمويل شرطة سوريا الحرة في مناطق المعارضة؟  ويسألكم: أين كان القانون الدولي بنظركم عندما شرعنَّت المحكمة العليا في “لندن” تصدير الأسلحة إلى السعودية، لتصل فيما بعد ذات الأسلحة الى مختلف المجموعات الإرهابية في بلادنا؟

 

مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية التي جرَّدت سوريا من عضويتها، وأرسلت لنا الإرهابيين من كل حدبٍ وصوب، مُشترطةً رحيل الرئيس الأسد للإعتراف بسيادتنا على أراضينا،  شجبت قرار” ترامب”، وتحدثت في الشرعية الدوليَّة، ونظرَّت علينا في أن هناك قانون دولي يجب التحكم إليه، حتى السعودية التي أفتت بكل أشكال الإرهاب، أيضاً غضبت، وعبَّر وزير خارجيتها، إبراهيم العساف  عن ذلك قائلاً: إنها “أرض سورية محتلة”.وفي بيان رسمي أوضحت السعودية أن “إعلان الإدارة الأمريكية هو مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي”.

وهنا يسأل السوريون: عندما دعمتم المجموعات الإرهابية (مال، سلاح ورجال) وعندما أفتيتم باستباحة دمائنا، ألم تكونوا على علم بمبادىء القانون الدولي؟ !!

أخيراً، من نافلة القول أنَّ وراء أكمة الجولان، توجد مفاتيح الأبواب التي تؤدي الى عملية إعادة إعمار دسمة…تسعى كل الدول التي شاركت في الحرب علينا  لنيل حصتها منها، تلك الأكمة التي فضحت ازدواجية المعايير لدى تلك الدول، وسعيها لإركاعنا بطرق جديدة، وجعلنا نتبع لسياسة البنك الدولي وصندوق النقد، وعليه ربما يستحق السيد “ترامب”كلمة  شكرٍ على قراره الذي عرى المفهوم الأعوج للشرعية الدولية عند الدول الإستعمارية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This