كان العام 2002 عاما مميزا لبيئة لبنان، حيث أقرت خلاله مجموعة من القوانين والمراسيم البيئية على درجة كبيرة جدا من الأهمية، لو أخذت طريقها إلى التطبيق الفعلي لما كان لبنان اليوم يعاني من هذا المستوى المتفاقم من أزماته البيئية في كثير من القطاعات، ولا سيما مستويات التلوث الخطير بكل أنواع الملوثات وفي كل الأوساط البيئية، مما يهدد بيئة لبنان وصحة شعبه بأكبر المخاطر، حاليا ولسنوات قادمة.
أهم هذه التشريعات قانون حماية البيئة رقم 444، الذي يسلك طريقه إلى التطبيق بصعوبة كبيرة، نظرا لحاجته إلى عدد كبير من المراسيم التطبيقية التي يمتنع طوعا وقصدا وزراء البيئة المتعاقبون على التصدي لمهمة وضعها وإحالتها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها وإقرارها.
في 29 تموز (يوليو) من العام 2002 أيضا أقر لبنان القانون رقم 432 الذي يجيز للحكومة الإنضمام إلى اتفاقية ستكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة.
لا يفوت المسؤولون اللبنانيون فرصة إلَّا ويذكِّرون بشكل احتفالي بانضمام لبنان إلى الإتفاقيات البيئية الدولية، من إتفاقية تغير المناخ وحماية طبقة الأوزون والتصحر والتنوع الحيوي، إلى الإتفاقيات المتعلقة بالكيماويات والنفايات الخطرة، إتفاقية بازل وستوكهولم وروتردام وميناماتا. جميل جدا أن يصادق لبنان على هذه الإتفاقيات البيئية وغيرها، ولكن بالتأكيد سيكون أجمل أن لا نكتفي بالمصادقة والإنضمام، بل بوضع السياسات الوطنية، التي تتلاءم مع توجيهات والتزامات هذه الإتفاقيات في كل المجالات.
في أواخر نيسان (أبريل) وبداية أيار (مايو) 2019، ستعقد مؤتمرات الإتفاقيات الكيميائية الثلاثة، بازل بشأن النفايات الخطرة وحركتها عبر الحدود وإدارتها السليمة بيئيا، وستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة، وروتردام بشأن تطبيق إجراء الموافقة المسبقة عن علم على مواد كيمائية ومبيدات آفات معينة خطرة متداولة في التجارة الدولية، وسيشارك لبنان طبعا في هذه المؤتمرات بمندوبين رسميين من وزارة البيئة، وربما من وزارة الزراعة أيضا، وبمندوبين من منظمات غير حكومية من ضمن فريق منظمة آيبنIPEN الناشطة في مجال مكافحة التلوث بالكيماويات والنفايات الخطرة، والتي تحمل شعار “من أجل عالم خال من السموم”.
من الطبيعي أن يتم التعاون بين فريق المندوبين اللبنانيين، الحكوميين وغير الحكوميين، لأن في ذلك تآزر وتكامل وتبادل للمعلومات والخبرة مطلوبة للعمل سوية من أجل سياسات وطنية ملائمة لإدارة الكيماويات والنفايات الخطرة في لبنان. ونحن ندعو إلى تحقيق أعلى درجات التنسيق لتحقيق أفضل تمثيل وأنشط وأفعل مشاركة لما فيه المصلحة الوطنية.
في مجال التطبيق الوطني لاتفاقية ستوكهولم، جرى تنفيذ مشروع كبير بشأن الجردة الوطنية لزيوت متعددة الكلور ثنائية الفنيل PCBs أو الملوثة بها والتخلص منها، وهذا إنجاز هام. ويبقى هناك أعمال أخرى تتطلب المتابعة والإستمرارية في التطبيق التدريجي والشامل لاتفاقية ستوكهولم من أجل حماية بيئة لبنان وصحة مواطنيه من التأثيرات الخطيرة وبعيدة المدى للملوثات العضوية الثابتة من كل المصادر، المقصودة منها وغير المقصودة. وإدخال مفاهيم والتزامات إتفاقية ستوكهولم بهذا الشأن في خيارات السياسة الحكومية في قطاعات أخرى، ولا سيما منها قطاع إدارة النفايات. إن السعي الجدي والصادق لأخذ مفاهيم وإلتزامات إتفاقية ستوكهولم وغيرها من الإتفاقيات الكيميائية الدولية لا يؤدي إلى الإنتهاء ببحث خيار محارق النفايات واعتماده كخيار استراتيجي في سياسة لبنان لإدارة النفايات، على حساب خيارات الإدارة المتكاملة، التي تبدأ بالتخفيف والفرز والتدوير والمعالجة للمكونات العضوية بالتسبيخ وبالهضم اللَّاهوائي، باعتباره مسارا بيئيا مقبولا لتطبيق مقولة “من نفايات إلى طاقة” بدل خيار المحارق غير الملائم لنفايات لبنان، والمسبب لتلوث بيئي كبير وخطير على الصحة العامة بكلفات باهظة على المال العام.
ومن جهة أخرى تبرز أهمية متابعة لبنان، ولا سيما وزارة البيئة، نقطة الإتصال الوطنية والسلطة المختصة بتطبيق هذه الاتفاقيات، للقرارات التي تتخذها المؤتمرات المتعاقبة لهذه الإتفاقية، والتصديق عليها وإدخالها حيز التنفيذ في السياسات والخيارات الوطنية ذات الصلة.
بدأت اتفاقية ستوكهولم في العام 2004 بلائحة من 12 ملوِّثا سميت “دزينة الملوثات القذرة”. منذ ذلك الحين وحتى اليوم تم ضم 16 ملوثا جديدا إلى الإتفاقية. لائحة الملوثات العضوية الثابتة الـ 16 الجديدة تم ضمها إلى الملحق (أ) بغاية التخلص النهائي منها على المستوى العالمي.
في العام 2009 وخلال المؤتمر الرابع تم ضم المواد التالية: ألفا وبيتا هيكساكلوروهيكسان α & β HCH، كلورديكون Chlordecone، هيكسابروموبيفنيل Hexabromobiphenyl، أوكتابروموديفنيل أثير Octa BDE، ليندان Lendane، بنتاكلوروبنزين Pentachlorobenzene في الملحقين (أ) و(ج)، وبرفليوروأوكتان حمض السولفونيك Perfluorooctane sulfonic acid (PFOS) وأملاحه الفليورية PFOSF في الملحق (ب)، وبنتا بروموديفنيل أثير Penta BDE.
في العام 2011 خلال المؤتمر الخامس تمت إضافة الإيندوسولفان Endosulfan.
في العام 2013 خلال االمؤتمر السادس تمت إضافة هيكسابروموسيكلودوديكان HBCD، وهو من مثبطات اللهب، التي تضاف إلى العديد من المكونات البلاستيكية للعديد من المنتجات الإلكترونية والسيارات وأثاث البيوت والمكاتب وغيرها.
في العام 2015 خلال المؤتمر السابع تمت إضافة هيساكلوروبوتاديين HCBD، وبنتاكلوروفينول PCP، ومركبات بوليكلورونافتالين PCNs.
وفي العام 2017 خلال المؤتمر الثامن تمت إضافة ديكابروموديفنيل أثير DecaBDE، والبارافينات المكلورة قصيرة السلسلة SCCPs، والهيكسابروموبوتاديين HCBD في الملحق (ج).
في المؤتمر التاسع القادم في شهر أيار (مايو) 2019 سيبحث المؤتمر بإضافة ديكوفول Dicofol، وحمض برفليوروبيكتونيك PFOA، في حين إن لجنة مراجعة الملوثات العضوية الثابتة تنظر أيضا بتقييم حمض برفليوروهيكسان سولفونيك PFHxS، وهو من مجموعة الكيماويات الفليورية العضوية الثابتة.
لدى لبنان ووزارة البيئة الوقت الكافي، إلى حين انعقاد المؤتمر، كي يقرر موقفه من ضم هذه المواد، ووضع رؤية وطنية واضحة للتعامل مع الملوثات العضوية الثابتة كلها، القديمة منها والجديدة، التي تشملها اتفاقية ستوكهولم، والتي لبنان بلدا طرفا فيها.