تفتتح غدا الإثنين 29 نيسان (إبريل) في جنيف، المدينة السويسرية، أعمال مؤتمرات الإتفاقيات الكيميائية الثلاثة، إتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة، وبازل بشأن إدارة النفايات الخطرة وحركتها عبر الحدود، وروتردام بشأن الموافقة المسبقة عن علم للكيماويات الخطرة في التجارة العالمية.
وضعت هذه الإتفاقيات من أجل تحقيق الهدف الرئيس حماية البيئة وصحة الإنسان من المخاطر، التي تمثلها المواد والنفايات الخطرة والسامة على الحياة الطبيعية للمنظومات البيئية، وعلى صحة الإنسان لهذا الجيل والأجيال القادمة.
ولكن، يبدو من كل التحضيرات، التي شهدتها الأقاليم واجتماعات مجموعات العمل خلال السنتين الماضيتين، التي تفصلنا عن مؤتمرات هذه الإتفاقيات في العام 2017، وحتى يوم أمس واليوم، وخصوصا منذ إعلان الصين عن قرارها الكبير بوقف استيراد النفايات البلاستيكية من بلدان العالم الصناعي في أمريكا وكندا والإتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا وكوريا وكل البلدان الصناعية المتقدمة الأخرى، حيث كانت الصين وحدها تستورد ما يزيد عن 56% من النفايات البلاستيكية العالمية.
هذا القرار الصيني أدخل كل البلدان الصناعية في أزمة خانقة للتخلص من مئات ملايين الأطنان من هذه النفايات. ولذلك نشهد ارتدادا واضحا ومخيفا على أهداف الإتفاقيات خدمة لمصالح الشركات الصناعية، مدعومة من حكومات الدول الصناعية، وفي مقدمتها الإتحاد الأوروبي، الذي اشتهر باقتراحاته “التاريخية”، التي تلبي مصالح الإحتكارات الصناعية الكبرى على حساب مصالح شعوب العالم قاطبة، وخصوصا شعوب البلدان النامية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، ولبنان ضمنا.
مجموعة الإجراءات المتناسقة شهدناها خلال كل مستويات الأعمال التحضيرية للمؤتمرات، التي تبدأ أعمالها غدا. وذلك للتعامل مع الوقائع التي أحدثها قرار الصين بوقف استيراد النفايات البلاستيكية والصناعية عموما، مطلع العام 2018 الفائت. وبعدما شكلت اتفاقية بازل على وجه الخصوص أداة قانونية قوية وفعالة في حماية شعوب البلدان النامية من انتقال النفايات الخطرة إليها، بطرق مشروعة وغير مشروعة، وتحت كثير من العناوين والتبريرات، حتى باتت هذه البلدان مزبلة العالم الصناعي، ترمى فيها ملايين الأطنان من النفايات الصناعية، وعلى وجه التحديد النفايات البلاستيكية، التي تتجاوز كمياتها قدرات كل البلدان الصناعية على التخلص منها. ولبنان عرف جيدا ما لاتفاقية بازل من فضل في إعادة تصدير مستوعبات النفايات البلاستيكية الملوثة بالكيماويات الخطرة، إلى بلدان المنشأ، وتحديدا ألمانيا وبلجيكا وكندا في فترة 1997-1998.
ما هي هذه الإجراءات التحضيرية، التي ستكون مادة المؤتمرات الدسمة، في مواجهة غير متكافئة، بين مجموع الدول الصناعية المتقدمة، وفي مقدمتها المبادر النشيط الإتحاد الأوروبي ومعه الولايات المتحدة وأستراليا واليابان ونيوزيلندا وكندا، من جهة، وفي الجهة المقابلة مجموعة الدول الإفريقية مدعومة بقوة من المنظمات غير الحكومية، وفي مقدمتها منظمة آيبن IPEN، التي تعمل تحت شعار “من أجل عالم خال من السموم”، المشاركة بفريق كبير من أكثر من 70 مراقبا من مختلف دول وقارات العالم. ونحن نفخر بمشاركتنا الفعالة مع فريق آيبن لنعمل بكل جهد على تخفيف المخاطر، التي ستحدثها التغيرات التي تحملها مشاريع القرارات المعدة لهذه المؤتمرات. وما ستتركه من انعكاسات سلبية تضعف فعالية الإتفاقيات في حماية البيئة وصحة الإنسان، لحساب مصالح كبريات الإحتكارات الصناعية العالمية، التي تقوم الحكومات في تلك البلدان بخدمتها والعمل الدؤوب على تحقيقها.
ما هي هذه الإجراءات؟
تتوزع الإجراءات على إتفاقيتي بازل وستوكهولم، لتشكل تأزرا وتكاملا في الإلتفاف على أهداف الإتفاقيتين، وتحويلهما من أداة حماية إلى غطاء قانوني يشرِّع تصدير النفايات الخطرة، ولا سيما البلاستيكية إلى البلدان النامية، ومنها لبنان بالطبع.
- الاقتراح “التاريخي” للإتحاد الأوروبي خلال اجتماع مجموعة العمل مفتوحة العضوية الـ11 لاتفاقية بازل، الذي عقد في أيلول 2018 في جنيف. يقول هذا الإقتراح، الذي سيقره حتما مؤتمر بازل هذه الأيام في جنيف أيضا، برفع حد اعتبار النفايات الملوثة بمواد كيميائية خطرة، نفايات خطرة، من 50 جزء من مليون إلى 10000 جزء من مليون، أي برفعه 200 ضعف. ما ذا سينتج عن ذلك؟ إن كميات كبيرة جدا من النفايات الملوثة بالمواد الخطرة، أو التي تحتوي على مواد خطرة، كانت تصنف نفايات خطرة مع الحد السابق، أي ممنوع تصديرها إلى البلدان النامية، ستصبح مصنفة غير خطرة مع الحد الجديد (الأكبر بـ 200 مرة)، وبالتالي سيكون تصديرها إلى البلدان النامية ومنها لبنان مشروعا بدون أية ضوابط أو معيقات.
- رفع هذا الحد لبعض المواد الأخرى المصنفة ملوثات عضوية ثابتة (اتفاقية ستوكهولم) من 50 جزء من مليون إلى 1000 جزء من مليون، أي رفعه 20 ضعف. وهذا أيضا سيؤدي إلى إسقاط تصنيف النفايات الخطرة على شرائح كبيرة كانت تصنف وفق الحد السابق نفايات خطرة.
- في المقابل، تقدمت حكومة النرويج باقتراحين يتعلقان بنقل تصنيف النفايات البلاستيكية إلى الملحق الثاني بحيث تصبح خاضعة لآلية الموافقة المسبقة عن علم في التجارة العالمية. ويهدف هذا الإقتراح إلى الحد من “تسونامي” تصدير النفايات البلاستيكية المتوقع حدوثه بعد إقرار هذه التعديلات على اتفاقيتي بازل وستوكهولم. وإخضاعها على الأقل لشكل من أشكال الضبط، حتى ولو كان بفعالية محدودة.
- نحن لاحظنا أن جماعة “سيدر” في لبنان، استعجلوا مواكبة هذه التحضيرات العالمية بالإسراع في تلبية شرط دول “سيدر”، وهي بمعظمها دول أوروبية، بإقرار قانون النفايات المشؤوم رقم 80 تاريخ 10 تشرين الأول 2018، حيث تضمَّن في المادتين 26 و27 تشريعا لاستيراد النفايات الخطرة، ولو باشتراط موافقة وزارة البيئة. وهذه الموافقة هي مضمونة في كل الحالات، وبغض النظر عن شخص الوزير، تلبية لحاجات المواكبة، التي يعمل لها لبنان تماشيا مع الحاجات الملحة للإتحاد الأوروبي بتصدير جزء من نفاياته البلاستيكية (الخطرة وغير الخطرة) إلى البلدان النامية ومنها لبنان. خاصة وأن “سيدر” تضمَّن قرضا بمليار و200 مليون دولارا لبناء محارق للنفايات في لبنان. وهذا ما يحصل فعليا مع دول أفريقية حيث هناك 60 مليار دولار لتمويل إنشاء محارق للنفايات في دول إفريقية.
- ماذا ستكون عليه حالة تصدير النفايات البلاستيكية بعد هذه التعديلات؟
تصنف النفايات البلاستيكية في ثلاثة فئات:
- فئة النفايات البلاستيكية “النظيفة”، لا تخضع لرقابة اتفاقية بازل، ولها حرية الإنتقال عبر الحدود دون أي ضوابط.
- نفايات بلاستيكية “أخرى”
- ونفايات بلاستيكية “خطرة”
تخضع هاتين الفئتين إلى إجراءات الموافقة المسبقة عن علم. ولتأكيد أنه سيتم إدارتها بطريقة سليمة بيئيا.
- ماذا ستكون نتيجة كل هذه المتغيرات؟
سيؤدي حرق كميات من النفايات البلاستيكية الخطرة (الملوثة بملوثات عضوية ثابتة) مع النفايات الأخرى إلى ارتفاع كبير في كمية الديوكسين والفوران وغيرها من الملوثات عالية السمية والخطورة والثبات والقدرة على التراكم الحيوي والدخول إلى السلسلة الغذائية للإنسان، إلى ارتفاع خطير لمستويات هذه الملوثات السامة في المنتجات الغذائية، وبما يتجاوز الحدود المسموح بها وفق التشريعات الأوروربية. وهذا ما ثبت فعلا في دراسة على الديوكسين والفوران في بيض الدجاج في غانا، إحدى الدول الإفريقية، في محيط محرقة للنفايات، حيث تجاوزت مستويات هذه السموم الحدود المقبولة بعشرات ومئات المرات.
نعم، على وقع قرار الصين، نشهد خطوات متناسقة وحثيثة للإرتداد عن أهداف وضمانات وحمايات اتفاقيتي بازل وستوكهولم، ولإغراق البلدان النامية بالنفايات الخطرة، ولكن هذه المرة بشكل مشروع بعدما يعملون على تحويل أدوات الحماية إلى أدوات تغطية وتشريع لنقل السموم إلى خارج الدول الصناعية، بعيدا إلى بلداننا، ولا ضير إن ارتفعت معدلات السرطانات والوفيات في كل الفئات العمرية، وضمنا الأطفال والرضع.