ما تزال حمى الفساد تضرب مستبيحة نهر الليطاني، برغم كل التدابير والإجراءات المتخذة من قبل “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني”، لكن يبدو أن للفساد جذورا ضاربة عميقا في تربة الإهمال والفوضى، وبالرغم من إصدار القاضي المنفرد الجزائي في زحلة محمد شرف ثلاثة أحكام جديدة، تضاف إلى ثلاثة سبقت تدين وتغرِّم الملوثين، إلا أن ثمة كثرا لم يرتدعوا، لا بل لجأ البعض منهم إلى التضليل والتحايل على القانون، فضلا عما يعتبر سابقة خطيرة تمثلت في تعرض مراقبي مصلحة الليطاني لمضايقات من قبل المشرفين على التحقيقات ومحأولات طمس آثار الجرائم، وكأن لبنان لا يزال مستبحا في زمن الميليشيات.

وإذا كان اللبنانيون يخافون اليوم من الجراد وسط الحديث عن إمكانية وصول أسراب منه إلى لبنان، وأيضا من انتشار الخنافس التي أثارت موجة من الذعر (وإن كانت غير مبررة)، فالمشكلة اليوم أن ثمة جرادا آدميا لا يتوانى عن “أكل الأخضر واليابس”، يكفي أن نذكر أنه خلال الأيام الثلاثة الماضية رصدت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” خمس مخالفات، لا بل هي خمس فضائح، وإن كنا ننتظر أن يزول التلوث ويغدو النهر مصنفا “خمس نجوم”، خصوصا وأن بين هذه الفضائح ما تفتق عنه العقل التخريبي لمستثمرين جُلّ همهم استباحة الموارد، وإن نتجت عن ذلك أضرار طاولت وتطاول البشر والحجر.

 

سد القرعون

 

وبالتوازي، ما زال “سد القرعون” يترنح تحت وقع ضربات التفجير، وسط انتهاكات ليست بجديدة، لكنها متلونة تضمنت تحايلا على القانون، وفي وقت انشغل الناس بتحرك أحد الفوالق الزلزالية بعد ما شهدنا هزات عدة من الشمال إلى البقاع، استمرت التفجيرات على مقياس درجات الفساد في لبنان، خصوصا وأن أعمال تفجير ضخمة تم رصدها داخل الجبل الموازي لسد القرعون، لم “تزلزل” لا المسؤولين ولا المواطنين، ولم يرق التحرك إلى حجم الفضائح والكوارث.

 

مجدل بلهيص

 

وفي هذا السياق، رصدت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” اعمال التفجير في مقالع صخرية في منطقة القرعون (مجدل بلهيص)، تهدد سلامة سد القرعون بسبب المقلع العائد للمدعو محمد جميل كرام الدين، بحسب المصلحة، وهو يملك مقلعين للصخور ويقوم بتفجيرات ضخمة داخل الجبل الموازي لسد القرعون، لا يبعد أكثر من 1800 متر عن السد، وأشارت المصلحة إلى أن “هذه التفجيرات تتسبب بموجات اهتزازية مرتفعة جدا تهدد سلامة السد”، علما أن المصلحة سبق لها وأن طالبت بوقف هذه التفجيرات الخطيرة، وقد أفادت التحقيقات الأمنية بأن المقلع خارج الاستثمار خلافا للواقع، وبدا أن ثمة تضليلا للسلطات الرسمية، لجهة استثمار مقلعين على نفس الترخيص!

وهذا ما دفع رئيس مجلس إدارة ومدير عام “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” إلى توجيه كتب الى كل من وزير العدل ووزيرة الداخلية والبلديات ووزير البيئة ووزيرة الطاقة والمياه ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان حول استمرار أعمال التفجير في المقالع الصخرية في منطقتي القرعون ومجدل بلهيص، والتي تهدد سلامة سد القرعون، وطلبت المصلحة في كتابها اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف هذه التفجيرات الخطيرة التي تهدد سلامة السد والقناة 900، فضلا عن الحفاظ على سلامة التحقيقات في ظل تعرض مراقبي المصلحة لمضايقات من قبل المشرفين على التحقيق ومحأولات طمس آثار التفجير.

ورأى علوية أن ذلك “ينذر بتداعيات خطيرة على كامل منطقة حوض نهر الليطاني، ويهدد السكان”، كما أنه التفجيرات تلحق أضرارا بالأملاك العامة وتهدر المال العام.

وفي السياق عينه، أكدت المصلحة على “وجوب تحميل الجهات المسؤولة عن استمرار تلك الاعمال الخطيرة، سواء من خلال التراخيص أو المهل أو الاستثناءات أو المماطلة أو التسويف التي أدت الى استمرار هذا الواقع على مدى سنوات”.

وحيال ذلك، أمر النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات بختم المقلعين بالشمع الأحمر، وذلك بناء على الشكوى المقدمة من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بعد رصد تفحيرات في الصخور تهدد سلامة سد القرعون.

 

فضيحة ثانية

 

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، لتطالعنا فضيحة ثانية متمثلة بتلويث مُــحمَّــلٍ بالدهون والزيوت والشحوم، وهو تلويث خطير ناجم عما تضخه مؤسسة صناعية لتصنيع مادة المايونيز من مخلفات إلى النهر، ما يتسبب بـ “إعدام” الحياة فيه بحيث ويؤثر تاليا على النظم البيئية ويهددها.

وفي هذا السياق أيضا، وجه علوية كتابا الى وزير الصناعة تضمنت شكوى بحق “شركة AZ مانيفاكتورينغ اند ترايدينغ” كونها تستثمر مؤسسة صناعية لتصنيع مادة المايونيز خلافاً للقرار 1/8 الصادر عن وزارة البيئة عام 2001، والذي يضع قيم حدية بيئية للنفايات المصرفة عن المصانع، اذ انها لا تعالج الصرف قبل القائه في النهر، وهو ملوث ومحمل بالدهون والزيوت والشحوم التي تؤدي الى تدهور نوعية المياه السطحية والجوفية، ما يؤثر على النظم الإيكولوجية الطبيعية، ويؤدي الى انخفاض نسبة الأوكسيجين في المياه ويقضي على الحياة النهرية، فضلا عما ينتج من روائح كريهة، تنتج المواد السامة التي تبقى في الطبيعة لمدة زمنية طويلة، تسد أنابيب محطات تكرير المياه في حال وصولها اليها، وتؤثر سلبا على عمل الآلات داخل المحطة.

وطالبت المصلحة باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق “شركة AZ مانيفاكتورينغ اند ترايدينغ كومباني” كونها غير ملتزمة بأية معايير بيئية، وما زالت مستمرة في تلويث نهر الليطاني بشكل كبير، وان تلويثها يشكل خطراً داهماً لا يحتمل الامهال الى حين انتهاء المهل المحددة من قبل وزارة الصناعة.

كما وجه علوية كتابا الى وزارة المالية تضمن مراجعة بشأن اعفاء شركة AZ مانيفاكتورينغ اند ترايدينغ كومباني الملوثة لنهر الليطاني من ضريبة الدخل لمدة 10 سنوات بموجب المرسوم رقم 9841 تاريخ 4 شباط (فبراير) 2013، وطلبت المصلحة اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق الشركة عبر اخضاعها للتكليف المباشر واعادة تكليفها بضريبة الدخل اذ انها غير ملتزمة بأية معايير بيئية، والتثبت من تصاريحها الضريبية للتأكد من مدى اشتمال تلك التصاريح على نفقات وهمية تتعلق بمعالجة الصرف الصناعي والالتزام البيئي.

 

… وثالثة

 

وفي هذا السياق أيضا، ما تزال “شركة ألبان لبنان (ش.م.ل)” صاحبة العلامة التجارية “كانديا” ترفد نهر الليطاني بعشرات الآلاف من الامتار المكعبة من روث الابقار وأمصال صناعة الحليب والالبان والاجبان، علما ان المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قد ادعت بوجه الشركة أمام القاضي المنفرد الجزائي في بعلبك وطلبت اقفال المصنع.

أما الفضيحة الثالثة، فتمثلت بادعاء “شركة البان لبنان ش.م.ل” بأنها تعالج الصرف الصحي مؤقتا في أربع حفر ترسيب وتقترح اقامة حفرة خامسة، ولكن المشاهد تُظهر أن حفر الترسيب فارغة، وهي مزودة بـ (سكورة) لتحويل المياه الآسنة الى نهر الليطاني لتلافي امتلاء البرك.

 

… ورابعة وخامسة

 

والفضيحة الرابعة تمثلت في مخالفات “معمل عباس الديراني للكبيس” في قصرنبا، حيث يرمي النفايات السائلة والصلبة الناجمة عن صناعته في أراض مكشوفة وفي الشبكات التي تصب في نهر الليطاني.

أما الفضيحة الخامسة في غضون أيام ثلاثة فقط، فتمثلت بمياه الصرف الصحي الناتجة عن مخيم للنازحين في بلدة المنصورة في البقاع الغربي، حولت نهر الليطاني الى مستنقع من الصرف الصحي، فيما تستمر المفوضية السامية لشؤون النازحين في التهرب من المسؤولية وتستمر جمعيات النازحين بالاستثمار الانساني في الحمامات المحمولة التي غمرت النهر والمحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحي، والتي جعلت من ضفاف نهر الليطاني منطقة موبوءة بالروائح الكريهة التي حولت حياة النازحين الى جحيم.

 

الإهمال والتسيب

 

وسط هذه الفوضى والمخالفات، ما تزال بعض قوى الأمر الواقع تتستر وتحمي، وفي هذه الحالة “تحارب” مصلحة الليطاني على أكثر من جبهة، وهي تسابق الوقت كي لا تُروى المرزوعات بمياه الصرف الصحي والصناعي، خصوصا وأننا دخلنا “موسم الري”.

أمام هذا الواقع بفضائحه الكثيرة، ينتظر أن تتحرك سائر الجهات المعنية وفق آلية واضحة تبدأ بالتكامل بين الوزارات المسؤولة وسائر الجهات القضائية والأمنية، وإلا فالكارثة مستمرة والليطاني ضحية، أما المواطن فلن يجديه البكاء والصراخ في فوضى الإهمال والتسيب.

 

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This