لم يكن يعلم الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما” حين أعلن أمام الملأ أن رواية “لمن تُقرع الأجراس؟”هي إحدى ثلاث كتب ألهمته طوال حياته، أنَّ عنوان هذه الرواية (السؤال) سيجيب عنه أهالي مدينة السقيلبية ومحردة بعد تحرير المناطق المحيطة بهم من رجس المجموعات الإرهابية والتي كانت تُمطرَهم يومياً بوابلٍ من القذائف، صنعت في بلاد السيد “أوباما” ذاته.
“أوباما” صاحب مقولة “أيام الأسد باتت معدودة”، ذهب مع الريح، وبقي الأسد صامداً بشعبه العظيم، الذي ذاق ولايزال يذوق منذ تسع سنين من الحرب التي شنها تحالف يضم جميع ورثة الإمبراطوريات الإستعمارية الممحوقة (الفرنسية والإنكليزية والهولندية وغيرها)، حرب طحنت كل اشكال الحياة في سوريا، فأدخلت الإنسان السوري في نفقٍ مظلمٍ، وأوقعت الإقتصاد في عجزٍ رهيبٍ، وذلك بعد أن أنهكته العقوبات الغبية التي فرضها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن، في 11 أيار /مايو 2004، وجددها مؤخراً الغوغائي جداً “دونالد ترامب” قائلاً في رسالة وجهها إلى البيت الأبيض بهذا الشأن: “إن وحشية النظام وأعماله القمعية بحق الشعب السوري، الذي يدعوا إلى الحرية والحكومة التمثيلية، لا تمثل خطرا بالنسبة إلى السوريين وحدهم، وإنما تولد عدم الاستقرار في كل المنطقة”، بالتأكيد “ترامب” كان يقصد أمن وإستقرار “إسرائيل”.
“أوباما” الذي هدد ذات مرة بقصف دمشق، وكاد يحشد لذلك لولا أن ممثل روسيا “فيتالي تشوركين” (الطيّب الذكر) رفع يده معلناً “فيتو” أوقف به تدفق سيولاً من دماء السوريين الأبرياء، وكبح جموح الجزار الأميركي، لايختلف عن سلفهِ من الرؤساء، الذي شنَّ حرباً ضروساً على العراق، ولاعن خلفهِ ذو الشعر البرتقالي “ترامب” الذي لايزال يُشدد على ضرورة رحيل الأسد، كخدمة وهدية ثمينة يقدمها للكيان الصهيوني، مترجماً رغبته تلك عملياً بالدعم المستمر للحركات الإنفصالية “قسد” مثلاً، هذا عداك عن أنه اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالجولان أرضاً إسرائيليةً.
وإذا كان “أوباما” قد قال أنَّ : “أيام الأسد معدودة”، فإن خلفه “ترامب” يعتبر أن الأسد انتهى، ويريد تقسيم البلاد والعباد، مُعداً لأجل ذلك حروباً من نوعٍ جديدٍ، متناسياً أنَّ هناك أصدقاء يقفون الى جانبنا، لهم في دمشق مثلما لهم في طهران، وأنَّ قيصر روسيا “بوتين” لن يمسح له بالولوج بسهولة الى المياه الدافئة، ولم ينتبه الى أنَّ أكثر مايمكن أن يقدمه له أذياله في المنطقة ومن بينهم ملوك الخليج، هو المليارات الملوثة بالنفط، والتي لاتشتري من عظمة وشهامة الإنسان السوري شيئاً.
في الرسالة التي وجهها الى البيت الأبيض أشار “ترامب” إلى أن: الولايات المتحدة ” تدين استخدام نظام الأسد للعنف الوحشي وممارسته انتهاكات حقوق الإنسان”، ونحن نريد ان نذكره أنَّ في بلاده مدينة اسمها “نيويورك” فيها حي يُدعى “هارلم”، يقطنه ذوي البشرة السمراء، حيث لاوجود لحقوق الإنسان، والمساواة والعدالة الإجتماعية وغيره ( لاتبيع مي بحارة السقايين ).
إنَّ إنتصارات الجيش العربي السوري، وتحريره لمناطق هامة استراتيجياً ستوصله الى “جسر الشغور” خاصرة “إدلب” الأهم والأكثر إيلاماً لم يأتي هكذا، فالأصدقاء الروس أكدوا أكثر من مرة في تصريحاتهم الرسمية وخاصة خلال الشهر الفائت أن: الخروقات التي يقوم بها الإرهابيون في المنطقة الآمنة، لن يتم السكوت عنها، وأنهم وصلوا الى مرحلة نفاذ الصبر، وأدى نجاحهم الفائق في جولاتهم المكوكية بين طهران واسطنبول، الى أن أذعن التركي، وانسحبت أرتاله فور بدءِ هجوم الجيش السوري، (تركت تركيا كل الفصائل التي كانت تدعمها كــ “جيش العزة” لتتحمل ثقل المعركة بمفردها، ولم تحرك ساكن على جبهات القتال في ريفي حماة واللاذقية) ما سهل الأمر على القوات السورية، وهذا يعود الى أن رسالة الدب الروسي قد وصلت الى الأتراك، فعرفوا بأنَّ وراء الآكمة ماورائها.
أخيراً أمران يُثلجان الصدر، وسط هذا الكم الهائل من الرُكام، وبعيداً عن “الكاوو بوي” الأميركي وأذياله، الأول: هو أن جلسة مجلس الأمن التي اعتادت بعض الدول (ومنها ممالك الخليج) الدعوة إليها، بعد كل نصرٍ لصالح الجيش، الرئيس والدولة السورية، تجاوزتها أصوات أجراس الكنائس في مدينتي سقيلبية ومحردة، التي بدأت تُقرع منذ صباح اليوم الأول للهجوم، ولاتزال مستمرة. أما الثاني: فهو أنَّ وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” استبق الجلسة المذكورة ليؤكد بعد لقائه نظيره الإيراني أنَّ : اتفاق “خفض التصعيد” لم يذكر أي نقطة حول “حماية الإرهابيين” أو عدم استهدافهم، وماهي إلا إشارة الموافقة أو الـــ Green Card الأولى كي يستمر النمر(العقيد سهيل الحسن قائد العمليات الحربية) بضرباته حتى تحرير إدلب كاملةً.
نعم إنَّ الجواب المنطقي اليوم على سؤال رائعة “هيمنغواي” الرواية “لمن تُقرع الأجراس”، يأتي من قرى منطقة الغاب السوري وجارتها مدينة السقيلبية، حيث تُقرع أجراس الكنائس، للجيش العربي السوري وحلفائه وأصدقائه، وللشعب الجبار الذي صمد وأصبح أكثر إيماناً بأن سوريا لأهلها وستبنى وتعود بجهود أبنائها، الذين كلهم اليوم يقرعون الأجراس…ترحيباً بأبطال الجيش واندحار الإرهاب من المنطقة.