تسعى دول العالم الموقعة على اتفاقية “باريس” للمناخ، الى ابتكار طرقٍ جديدةٍ للحدِ من الإحتباس الحراري، وتضع الخطط لمواجهة التغير المناخي، فلم تأت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريس”، وطلبه من زعماء العالم، عشية قمة الأمم المتحدة بشأن المناخ، المقرر عقدها في شهر أيلول/ سبتمبر، ألا يحضروا فقط لإلقاء الكلمات، إنما بخطة، وأن يقدموا مقترحات بناءة وملموسة حول تحويل إقتصادات بلدانهم الى الإقتصاد الأخضر (صديق البيئة) إلا جرس إنذار لخطرٍ كبيرٍ يُحدق بالبشرية جمعاء.
ولايخفى على أحدٍ أنَّ الدول الصناعية الكبرى (الرأسمالية)، هي الملوث الأكبر لهذا الكوكب، لابل أنّ الخطر الكبير الذي يهدد مستقبل الكوكب الأخضر، لم يردع الرئيس الأميركي “ترامب” من أن يعلن وقوفه ضد اتفاقية المناخ المذكورة أنفاً، حين قال أنَّ الدول الموقعة على اتفاق “باريس” للمناخ تريد شن “الحرب على الفحم”، رافضاً الإنتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون (الإقتصاد الأخضر).
فما هو الإقتصاد الأخضر؟
يصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الإقتصاد الأخضر بأنه: اقتصاد منخفض في انبعاثات الكربون، فعَّال في استخدام الموارد وشامل اجتماعيًا”.
وتتضمن سوق العمل الأخضر (النظيف) كل شيء، بدءًا من وظائف ترشيد استخدام الطاقة، مروراً بالوظائف التي تهتم بالابتكار والعمل في نشاطات إقتصادية خالية من “الكربون”، وصولاً الى وظائف برامج وحملات التوعية التي تساهم في حماية النُظم البيئية والتنوع الحيوي، والحفاظ على كل مصادر الطاقة من خلال استراتيجيات عالية الكفاءة، والحدِ من إنتاج النفايات، وإعادة تدويرها باستمرار، وتطوير أساليب زراعية تساعد في الحفاظ على التُرب.
واثبتت فكرة الوظائف الخضراء، نجاعتها في العديد من دول اميركا اللاتينية، فمن “البرازيل” حيث قامت بدعم مشاريع في مجال الوقود الإحيائي والإسكان الشعبي، الى “كوستاريكا” حيث نشطَّت الزراعة المستدامة والسياحة البيئية، فجنوب أفريقيا حيث دعمت مجالي توليد الطاقة و قطاع البناء صديق البيئة ( تجميع وتركيب الألواح الشمسية)، ومثلها مئات المشاريع الخضراء في القارة السمراء وخصوصاً في المناطق الريفية في زامبيا ، حيث تم تدريب النساء على بناء منازلهن باستخدام تقنيات مستدامة، كما في “كينيا”، “تنزانيا” و”أوغندا”، ومثلها فعلت في الصين والهند حيث دعمت مشاريع في مجال الطاقة النظيفة،(بناء محطات الطاقة الشمسية، مزارع الرياح، وإعادة تدوير كل أشكال النفايات…وغيرها).
فيما أخذت مشاريع التوظيف الأخضر الصديقة للبيئة، في الدول المتطورة، أشكالاً أخرى، حيث بدأت تتوسع فرص العمل إلى ما وراء صناعة الطاقة، وذلك بفضل سلسلة من التقنيات المبتكرة، غالبًا بقيادة التكنولوجيا الرقمية.
حتى يومنا هذا، الآراء متضاربة حول ايجابيات هذا النوع من الاقتصاد، فبينما ذكرت منظمة العمل الدولية في تقريرها عن المنظورات الاجتماعية والعمالة في العالم لعام 2018 ، أنه إذا تم اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما دون درجتين مئويتين ، فسيتم توفير 18 مليون فرصة عمل جديدة لعام 2030.
لا بل يتوقعون أن يخلق هذه النوع من الإقتصاد، ستة ملايين فرصة عمل إضافية، وذلك نتيجةً لنمو ما يسمى بـ “الاقتصاد الدائري” ، حيث يتم إعطاء الأولوية للإصلاح وإعادة الاستخدام بدلاً من استخدام المنتجات لفترة قصيرة من الزمن.
في المقابل، لا تتهرب الأمم المتحدة من حقيقة أن التحول نحو الإقتصاد الأخضر، سيؤدي حتماً إلى اختفاء ملايين الوظائف، وخاصةً في الصناعات التي تسهم في انبعاث الغازات الملوثة وغيرها من مسببات الإحتباس الحراري.
أمام خطر التغير المناخي الذي يداهم الحياة على الارض، يعتبر الاقتصاد الاخضر أحد أهم بوابات النجاة، فهل ستنجح الدول الصناعية الكبرى باغلاقه؟، أم ستتحد شعوب الأرض لفتحه على مصراعيه؟ من يعش يرى.