منذ أنَّ أكد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي “آفي ديختير”، عام 2008 أن صاحب فكرة تفجير الأوضاع في “دارفور”، هو رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق “آرييل شارون”، وإلى يومنا هذا، لا تزال الأوضاع في السودان تتدهور، متخذةً الخط البياني ذاته، للحرب على سوريا، وذلك كون للحالتين الأسباب والبيئة التي هيئها المستعمرون للمجموعات الإرهابية (باسماءٍ مختلفة)، وبذات الطرق والأساليب، وحتى منابع التمويل ذاتها، فمن هم “الجنجويد”؟ وهل هناك جنجويد في سوريا؟.
البيئة الحاضنة..واحدة!!
تتميز “دارفور” السودانية، كما الجزيرة السورية (الرقة والحسكة ودير الزور)، بأنها خزان بشري هائل متنوع الإثنيات والعرقيات والطوائف، أضف الى ذلك غناها بالثروات (فيها احتياطي نفط يبلغ 7 مليارات برميل، إضافةً إلى المعادن الثمينة كالذهب واليورانيوم).
وكلمة “دارفور” تعني حرفياً: دار قبائل “الفور”، وهي القبائل التي أسست في القرن الرابع عشر ما سمي بـ “سلطنة الفور”، و”الفور” ليسوا عرباً بل أفارقة، ولكنهم مسلمون حقيقيون، حتى أن آخر سلاطينها “علي دينار” كان يُسَيّر، سنوياً، إلى السعودية قافلةً تحمل كسوة الكعبة، علاوة على مؤن لإكرام الحجيج.
ويُسجل لقبائل “الفور” الإفريقية هذه، أنها كانت صاحبةُ حضارةٍ عريقةٍ، قبل أن تَفِدُ إليها القبائل العربية الهمجية، التي ولِد من رحمها، مسخ أذاق “الفور” الأمرين، مِسخاً يُدعى اليوم بــ “الجنجويد”.
و“الجنجويد”: هم رعاة إبلٍ، احترفوا النهب المُسلح، ويقولون بلهجتهم الدارجة (نمشي نجنجد) أي هيا ننهب، وهذا تماماً ماحصل في الجزيرة السورية التي كان يقطنها السريان، الآشوريين والكلدان، أصحاب أقدم الحضارات بتاريخ البشرية، قبل وفود الكُرد والعرب إليها، فهجَّروا أهلها لإفراغ المنطقة من محتواها الحضاري (ولاتزال بعض القبائل تقاتل الدولة السورية) .
إذاً، فالبيئة الحاضنة والمجتمع القبلي، الذي خرجت منه “الجنجويد” في السودان، ذاته أخرَّج العشائر السورية، التي أعلنت ولائها لتنظيم “داعش” وغيره من الفصائل الإرهابية ومن رحم تلك البيئة خرجت عشائر سورية، لتعلن ولائها لـ”قسد” الكردية المدعومة من قبل راعي البقر الأميركي.
كذلك تعمل الفصائل الإرهابية في سوريا، على ذات الأجندة التي عملت، وتعمل عليها “الجنجويد”، من قتل وتنكيل وخطف، وتهجير للسكان الأصليين، والمتاجرة بأطفالهم وإغتصاب نسائهم، ونهب وتدمير ممنهج للإقتصاد، وصولاً الى الإبادات الجماعية.
مصادر الدعم والتمويل.. ذاتها!!
أما ملوك الإمارات والسعودية، الذين التقوا (طبعاً بأمرٍ أميركي) قائد “الجنجويد” اللواء محمد حمدان “حميدتي” ، وناقشوا معه مرحلة ما بعد “البشير”، مؤكدين له أنه من الرجال الذين يبحثون عنهم لوضع ثقتهم فيه، هم ذاتهم من استقبل قادة الفصائل الإرهابية المقاتلة في سوريا، وناقشوا معهم مرحل مابعد الأسد (بمعنى أنتم رجالنا بعد سقوط الأسد).
وذاتها الدول (من ضمنها اسرائيل) التي تعمل على تسهيل وصول السلاح الى “الجنجويد” في السودان(عبر تشاد)، تُسهل وصوله الى المجموعات الإرهابية في سوريا (عبر تركيا العراق والأردن).
ومثلما يوجد في صفوف “الجنجويد” مقاتلون أجانب من “النيجر” و”تشاد” و”مالي”، كذلك يوجد في صفوف الفصائل الإرهابية، في سوريا، على مختلف مسمياتها، مقاتلون من آسيا الوسطى، وأفريقيا وأوروبا.
الدور الاسرائيلي القذر
وكما وظفَّت “إسرائيل”، المنظمات الدولية التي تعمل تحت شعار العمل الإنساني، و مجموعات حقوق الإنسان، وكل مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الإجتماعية التابعة لها، لتلميع صورة “الجنجويد” فعلت ذات الشيء مع الفصائل الإرهابية في سوريا، فصورتها على أنها مجموعة أبرياء يناضلون من أجل حريتهم وكرامتهم.
هل هناك فوارق بين هذه الميليشيا وتلك؟
الفارق الوحيد والكبير بين كلا المجموعتين من الميليشيات، هو أن ”الجنجويد” جاء بهم نظام عمر البشير، لضمان بقائه في السلطة، والقضاء على الحركات الثورية في السودان، أما الفصائل الإرهابية التي دخلت سوريا، فقد جاءت بهم قوى التحالف الإستعمارية التي شنت حربأً على سوريا، لم تنته بعد، وذلك بهدف إبعاد الرئيس الأسد عن السلطة، تدمير البلاد وإسقاط الدولة السورية، وفي كلتا الحالتين، ومهما اختلفت التسمية، فان الدول الإستعمارية تسعى من خلال دعم وزج كل أشكال “الجنجويد” في العالم العربي، الى زعزة استقرار المنطقة، لما في ذلك من خدمة عظيمة للكيان الصهيوني.
يعمل أصحاب شعار “حدودك يا إسرائيل من الفُرات الى النيل” على إطالة عمر الحرب في السودان(الحد النيلي)، كما في سوريا (الحد الفراتي)، بذات الأساليب، الطرق والوسائل، غير أنهم يركزون أكثر على سوريا، كونهم يشعرون بأنها الشوكة الأكثر إيلاماً في تاريخهم، منذ أن ذُكرت ”إسرائيل” في أسفار العهد القديم، والى يومنا هذا.