لم تأت دعوة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، لنظيره الأميركي “دونالد ترامب”، على هامش القمة الـ 14 لمجموعة العشرين، لزيارة موسكو العام المقبل للمشاركة في إحتفالات الذكرى الـ 75 للنصر العظيم على النازية، من فراغ، فالقيصر يعرف أن “اليانكي” ينسب الى نفسه الفضل بالنصر على ألمانيا النازية، ولكنه (بوتين) يعرف التاريخ جيداً ويعلم أنَّ الجيش الأميركي دخل الحرب بعد أن وصل الجيش الأحمر الى مشارف أوروبا (في السنة الأخيرة من الحرب)، وأنه في تلك الحرب سقط للسوفييت حوالي 25 مليون شهيد، فيما لم يتجاوز عدد من سقطوا من الجيش الأميركي نصف مليون جندي، لذلك تُعتبر دعوة القيصر للسمسار الأميركي ضربة دبلوماسية إستباقية.
بإسلوب الكذب ذاتهِ، ينسب راعي البقر لنفسه هزيمة “داعش” في سوريا، بواسطة جنوده الألفين الموزعين على قواعده العسكرية المنتشرة في مناطق سورية تكتنز أكثر من 90 % من النفط السوري، علماً أن هؤلاء الجنود لم يتحركوا، ضد “داعش” وأخواتها في عملية واحدة تُذكر، كما لم يسقط منهم جندي واحد في حربهم المزعومة على الإرهاب (من قُتل منهم، هناك، كان إما عن طريق الصدفة أو بالخطأ)..ذلك كون بلادهم سخرَّت لحربها المزعومة على الارهاب، مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الذين تستخدمهم عملياً كعبيدٍ مأجورين، تدفع لهم أجورهم من خزينة مملكة آل سعود والإمارات العربية المتحدة.
حرب “ترامب” المزعومة، على الإرهاب في سوريا، هي حرب من الجيل الرابع، حرب ربحية بإمتياز، صفرية بالخسائر، جرى لتأجيجها استثمار قضايا أعطاها المُستعمِّر صفة الإنسانية، قضايا من نوع حقوق الشعب السوري، حريته، ونشر الديمقراطية، مروراً بدعم نضال الشعب الكردي ضد الدولة السورية حتى الحصول على حقه في إقامة دولته المستقلة، أي بمعنى أخر دعم تقسيم سوريا الى كانتونات ( خدمةً لإسرائيل)، وصولاً الى توظيف أصغر الخلافات الفكرية والدينية وتأجيجها، وتجيّش أكبر الماكينات الإعلامية للترويجِ لها.
ولضمان بقائها في المنطقة، ودوام نهبها وتدميرها لبلادنا، في فترة مابعد الحرب، اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية الحروب المتكافئة (إنشاء مراكز قوى متكافئة في القدرات العسكرية والسياسية، دون حسم من طرف على حساب طرف آخر، لاغالب ولا مغلوب، المهم أن يستمر النزاع)، حيث لا تصادم مباشر بين الجيوش النظامية، وإنما شبه معاركٍ بين فرقٍ مكونها الأساسي من شذاذ الآفاق وضعاف النفوس من أبناء بعض العشائر السورية، مع زمرٍ غريبة أتوا بها من دول فقيرةٍ غارقة بالجهل والتخلف، لا بل وشغَّلوا لدعمها شركات الحماية الأمنية كــ “بلاك ووتر”، مزودين إياها بالأسلحة المتطورة جداً ووسائل قيادة وتحكم تضاهي ما تملكه أكثر جيوش العالم تطوراً، موجهين إياها لتدمير ونهب وقتل الإنسان السوري، وريث الحضارات والمتمسك بأرضِ أجداده ، لما فيه من خدمة للكيان الصهيوني، وهذا حقيقةً كان أحد أبرز و أهم الأهداف التي قامت من أجلها الحرب على سوريا.
بلاد الشرير “سام” لم تربح منذ عقودٍ حرباً واحدةً ، كانت قد شنتها بشكل تصادمي (جيش لجيش) فمن اندحارها في الفيتنام وأفغانستان والعراق، مروراً بانكسار شوكتها، دبلوماسياً، أمام الصبر المميت لصانع السجاد الإيراني (معركة الممرات المائية)، وأمام شراسة الكوري الشمالي( معركة انتشار السلاح النووي)، وأمام صمود كوبا وفنزويلا الأسطوري (معركة الفناء الخلفي لليانكي)، وصولاً الى خنوعها أمام عودة الدب الروسي الى الساحة الدولية وإنهاء سياسة القطب الواحد(معركة القبض على الجمر وإثبات الوجود)، فيما كانت آخر خسائرها تفوق الصين الإقتصادي(معركة هواوي).
وتأسيساً على ماسبق فهي تتبع، اليوم، سياسة رئيسها السمسار “ترامب”، فتشن بكل عينٍ وقحةٍ حروب الجيل الرابع “الحروب الصفرية”، بهدف تدمير بلادنا ونهبِ ثرواتها، بأدنى مستوى من الخسائر، متناسيةً أنَّ مِخرَز الجيش والشعب السوري، وحلفائه الروس والإيرانيين، سيفقأ لها عينها الوقحة…والعين لاتقاوم مِخرَز.