ينتظر أغنياء العالم شراء ضمانات تقيهم من التغير المناخي، وثائق تضمن لهم خلاصهم من مخاطر وتداعيات الإحتباس الحراري الذي يتعرض له كوكبنا، ضمانات على مبدأ صكوك الغفران،هذه المرة ليس خوفاً من نار جهنم وإنما من نار الأرض، وليست صادرة عن الكنيسة وإنما من شركات التأمين والضمان الخاصة، وشركات الطاقة والتكنولوجيات الذكية، والتي يصعب على شعوب العالم الفقيرة الوصول إليها، مايجعل تلك الشعوب تتحمل العبء الأكبر من تبعات التغير المناخي.

فالأغنياء رغم أنهم الأكثر تلويثاً لكوكب الأرض (كل غني يساهم في اطلاق غاز الكربون 175 مرة أكثر من شخص فقير)، سيتكيفون عملياً بفضل ثرواتهم، مع عواقب وتأثيرات التغير المناخي، حيث سيدفعون لشركات الحراسة كي تبقى بيوتهم آمنة من تأثيرات التغير المناخي(كما حدث في الحرائق الأخيرة التي ضربت كاليفورنيا)، ولشركات الضمان الصحي، لحمايتهم من الأمراض، كما لشركات المياه والطاقة والإتصالات وغيرها وغيرها، ليضمنوا بقائهم بعيداً عن المجاعات والحر والعطش والتهجير.

أما فقراء الكوكب ، فسيقعون تحت وطأة التغير المناخي وتبعاته، بشكلٍ مباشرٍ وقاتل، إبتداءً من الهجرة القسرية، مروراً بإنعدام الأمن الغذائي، وصولاً الى تدهور أوضاعهم الصحية، وصولاً الى موتهم الحتمي، بالرغم من أنهم أقل البشر تلويثاً للكوكب (مسؤولين فقط عن 10في المائة من كمية الكربون التي تلوث الهواء).
في هذا الشان حذَّر فيليب ألستون مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أنه حتى لو تسنى للعالم تحقيق الأهداف المناخية الحالية “فسيظل هناك عشرات الملايين من الفقراء، مما سيؤدي إلى حالات واسعة من النزوح والتعرض للجوع” .
مؤكداً أنَّ التغيرات المناخية العالمية” قد تدفع بأكثر من 120 مليون شخص إلى حد الفقر بحلول عام 2030 وسيكون لها أشد التأثير على البلدان والأماكن التي يعيش ويعمل فيها الفقراء”.
وأضاف الخبير: نرى الآن “مخاطر عصر جديد من الفصل العنصري المناخي” حيث يشتري الأغنياء لأنفسهم مخرجاً من ظواهر ارتفاع الحرارة والجوع، بينما يعاني بقية العالم.
مشيراً الى أنَّ تغير المناخ سيؤثر أيضاً على الديمقراطيات، حيث ستسعى الحكومات لمواجهة عواقب المناخ، بإقناع الناخبين بالقبول بتحولات اجتماعية واقتصادية ضخمة، مما سيجعل الحقوق المدنية والسياسية عرضة للخطر.

وكان العلماء وخبراء البيئة حول العالم، أعلنوا أنَّ الأنهار الجليدية في منطقة “الهملايا” بدأت بالذوبان منذ 40 عاماً، ومثلها يذوب جليد القطب الجنوبي ( انفصلت عنه كتلة جليدية يبلغ وزنها تريليون طن، يتجاوز حجمها أربعة أضعاف العاصمة البريطانية لندن)، محذرين من أنَّ ذلك الذوبان المُتسارع سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 15 سنتيمترًا بحلول عام 2100، وستختفي نتيجة لذلك مئات المدن حول العالم.
ورغم أنهم أكدوا أنَّ التغير المناخي سيؤدي إلى خسائر في غلة المحاصيل العالمية بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2080. ما سيؤدي الى مجاعاتٍ مرعبةٍ.
متوقعين حدوث حوالي 250،000 حالة وفاة إضافية كل عام، في الفترة بين 2030 و 2050 وذلك بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري .
إلا أنَّ الدول الصناعية العظمى، وحكومات الأنظمة الرأسمالية، لم تتخذ أياً من خطوة جدية واحدة لمواجهة هذا الخطر المدمر للحياة على الأرض، لا بل وتستمر في انتهاك حقوق شعوب بلدان العالم النامي والفقير ، بما تطلقه من غازات عادمة، تُسرع وتزيد من خطورة التغير المناخي (أشار تقرير صدر عن المنتدى الإنساني العالمي عام 2009 أن الدول النامية تعاني من 99% من الخسائر المنسوبة إلى التغير المناخي).

إن عدم إكتراث الدول الصناعية الكبرى والأنظمة الرأسمالية، بقضية الإحتباس الحراري، يعتبر شكلاً آخراً من أشكالِ الحروب، فليس بالضرورة التصادم جيشاً لجيش، كي تفني الشعوب، بل يكفي لذلك تجويعها، تعطيشها ورميها في العراء حتى تموت، عبر إدارة طاحونة التغير المناخي.
إنها الجلجلة البيئية ، فهل من مُخَلِّصٍ؟.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This