خطوة التراجع عن بحث موضوع دفتر شروط محرقة بيروت تحت ضغط القوى المعارضة في داخل المجلس البلدي وعلى امتداد الوطن، من قوى متنوعة في انتماءاتها السياسية، ولكنها توحدت حول اعتبار محرقة بيروت ومحارق الوطن تهديدا حقيقيا للصحة العامة بأكبر المخاطر، لهذا الجيل والأجيال القادمة، هي خطوة مرحب بها على اعتبار أنها خطوة باتجاه التراجع الكامل عن هذه الخيار العبثي وشديد الخطورة، وسحبه التام من التداول، وليس على أنها خطوة تراجع تكتيكي للعودة لاحقا إلى السير بهذا المخطط الجهنمي من جديد.
ليست المحرقة هي الحل، الذي يحلو للبعض التمادي في التضليل في اعتباره الحل المستدام، ولا هي الحل الإستراتيجي كما يستأنس البعض لهذه التعابير الكبيرة والخادعة. لأن الحلول الاستراتيجية تكمن في مسار مختلف تماما وفق الرؤية الحديثة في اعتبار النفايات موارد ثانوية تستعاد قيمتها في مسيرة الحفاظ على الموارد وحماية البيئة والصحة العامة. ولا هي الحل الأنسب لنفايات لبنان، حيث هي على تعارض كامل مع أساسيات الإدارة البيئية السليمة والمتكاملة، التي ترتكز على التخفيف والفرز من المصدر والتدوير والمعالجة والتصنيع والتحويل والتخلص السليم بيئيا من المتبقيات حسب تركيبها وخصائصها، بما في ذلك في مطمر صحي نظامي البنية الهندسية، محترما المعايير البيئية لجهة الموقع والتصميم والإنشاء والتشغيل والصيانة.
بوركت الأصوات والقوى، التي عبرت بكل الأشكال عن اعتراضها القوي والحازم لخيار محارق النفايات، الذي يتمسك به رئيس بلدية بيروت والقوى السياسية، التي تدفع باتجاه تبني هذا الخيار على مستوى الحكومة والسياسة الوطنية عموما في إدارة النفايات. وهو اتجاه يضحي ببيئة لبنان وصحة شعبه، خدمة لمصالح فئوية تمادت في نهب المال العام على مدى عقود، وفي تسويف هذا الملف وسوء إدارته، وعرقلة اعتماد سياسات واستراتيجيات مستدامة سليمة بيئيا وآمنة صحيا ومعقولة الكلفة.
إن معركة إسقاط خيار المحارق حققت اليوم نجاحا مباركا، يتطلب استكماله الإستمرار بالتصعيد، وعدم التهاون أو التراجع أو الركون، بل استكمال المعركة بنفس طويل، وبرص صفوف القوى السياسية والشعبية والمدنية والبيئية للتحضير الجدي لاستكمال المواجهة حتى السقوط الكامل لهذا الخيار، وتبني الحكومة لاستراتيجية الإدارة المتكاملة السليمة بيئيا لإدارة النفايات، كل أنواع النفايات. ووضع الخطط الوطنية الملائمة لها، وتهيئة البنية التشريعية والمؤسسية لحسن تطبيقها.