يستعمل الإنسان بعض الأشياء دون أن يعرف قيمتها أو يدرك أهمية فقدانها ولا حتى ان يبحث عن مخاطر استهلاكها،، غاز الهيليوم الذي هو ثاني أكثر العناصر الكيميائية وفرة في الكون، يُشكِّل 23% من مجمل كتلة عناصره وهو مهدّد بالخطر!!
فمع كثرة المناسبات التي يحتفل فيها العالم ومع دخول وسائل متعددة لتغيير لمسة الإحتفال، فإن استعمال بالونات الهيليوم من أهم المكونات الرئيسية لأي حفل بسيط كان أم كبير. في هذا الإطار، فإن تحليق هذه البالونات في الفضاء يسبّب تهريباً للغاز الذي تحمله الى الفضاء وتساهم في إنقاص كميته على الأرض.
فتشير دراسة حصلت في السنوات الاخيرة ونشرها موقع Big Think الأميركي، إلى أن البالون المحلّق في السماء سيكون مصيره إما الإنفجار أوتسرّب الغاز منه ، وفي الحالتين يصل الهليوم إلى هواء الجو. وهكذا يتسرب الهليوم من الأرض إلى الفضاء. لذلك، يعتقد العلماء أن هذا المصير سيلحق في المئة سنة المقبلة الجزء الأكبر من الهيليوم الموجود في الأرض. فإن جزيئات الهيليوم المتصاعدة في الغلاف الجوي قد تتعرض بسهولة للرياح الشمسية -وهي تدفق جزيئات عالية الطاقة من شمسنا– وهو ما يؤدي إلى تطاير الهيليوم من الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي بصورة نهائية.
في التفاصيل: نسبة الهليوم في الهواء ثابتة نوعاً ما وتشكل 5.2 جزء بالمليون واستخراجه مكلف جداً، ولذلك فإن الهليوم الممكن شراؤه من أجل نفخ بالون يستخرج من الغاز الطبيعي. وبعد استخراجه واستعماله بهذا الشكل أو ذاك، في بالونات الهواء أو الصواريخ أو أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، يتسرب أغلبه إلى الجو ويختفي، الأمر الذي يسبب تناقصاً في حجم استخراج الهليوم تدريجياً مقابل الإرتفاع في أسعاره.
فبينما كان يقتصر استعماله لأهداف صناعية كثر استهلاكه في الآونة الأخيرة لأغراض التسلية والديكورات وأولها في البالونات، ووفقاً لتقرير صدر عام 2016، ارتفعت أسعار الهيليوم بنسبة 250% في السنوات الخمس السابقة لعام 2016. في الواقع، اضطر بعض الباحثين إلى إنفاق أكثر من ربع أموال المنح المُقدّمة لهم على شراء الهيليوم السائل. لن يؤذي نقص مخزون الهيليوم العالمي الباحثين فحسب، بل سيتسبب عدم توافره للاستخدام بالتطبيقات فائقة التقنية في جعل الحياة أكثر صعوبة على الجميع. ويقول ويليام هالبرين، أستاذ الفيزياء بجامعة Northwestern الأمريكية، في مقابلة مع صحيفة USA Today، إنَّ «نقص إمدادات الهيليوم الموجودة حالياً -والذي يمكننا توقُّع زيادتها- سوف تؤثر على الجميع بوجهٍ عام».
يتميَّز الهيليوم ببعض الخصائص الفريدة، التي تجعله مادة أساسية لكثير من الباحثين والعلماء. الأهم من ذلك أنَّه يمكن تبريد الهيليوم إلى درجات حرارة منخفضة للغاية دون أن يتجمّد، وهي خاصية غير متوافرة في أي عنصر كيميائي آخر. في الواقع، الهيليوم لا يتجمّد إطلاقاً تحت أي ظروف. يصبح غاز الهيليوم سائلاً بمجرد تبريده عند نحو 4 درجات كلفن. و «الكلفن» هو وحدة قياس درجة الحرارة المقاسة على أساس الصفر المطلق استناداً إلى درجة نشاط الجزيئات في المادة، أي إنَّ درجة صفر كلفن تعني توقف حركة الجزيئات تماماً ويكون الجو أبرد ما يمكن. ولتصوّر مدى برودة 4 درجات كلفن، فهي تعادل تقريباً سالب 269.15 درجة مئوية. هذا مهم بسبب اكتشاف آخَر للعلماء يفيد بأنَّ بعض المواد تفقد جميع المقاومات الكهربائية عند تبريدها بدرجة كافية. تُسمى تلك المواد الموصلات الفائقة، وتُستخدم في صنع مجموعة واسعة من الأجهزة عالية التقنية مثل مسرّعات الجسيمات، وبعض المفاعلات النووية، ومطيافيات الكتلة، وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.
لذا، من دون الهيليوم السائل، تصبح هذه التقنيات غير قابلة للتنفيذ، ولا توجد مادة بديلة صالحة لتحل محله. يعتبر الهيليوم مورداً محدوداً على كوكب الأرض، ونفاده يعني الاستغناء عن أشياء أهم كثيراً من مجرد بالونات وأصوات حادة مضحكة.