كذب الرئيس الأميركي “ترامب” حين وعد بسحب قواته من بلادنا، معللاً ذلك بقوله: “لقد قضي الأمر في سوريا منذ زمن طويل. نحن نتكلم عن رمل وموت لا عن ثروات كبيرة”، يومها وبالرغم من أنَّ الإنسحاب لم يتجاوز حدود الوعد الكاذب، إلا أنه قضَّ مضاجع الفصائل الكردية المقاتلة الى جانبه، خوفاً من أن يسحب (الأميركي) الغطاء عنها، فبدأ قادة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، علناً بالتملق والإلتفاف حول الولايات المتحدة الأميركية، بغية إرضائها، مجاهرين بتبعيتهم لها، سالكين الى ذلك سبيلاً، مغازلةً ودلالاً لــ “تل أبيب”.
الغزل الذي يمارسه “مجلس سوريا الديمقراطية”، التابع لـ” قسد”، مع الكيان الصهيوني، إرضاءً لداعمهم الأكبر “ترامب”، فضحته مؤخراً رسالة مُسربة نُشرت في جريدة “الأخبار” اللبنانية، حيث لم ينفع نفيهم للأمر لتبرأتهم من انغماسهم في خدمة “اسرائيل”، فرجل الأعمال الإسرائيلي”موتي كاهانا”، لم يكتف بالتأكيد، في تقاريرٍ متعددةٍ نشرتها فيما بعد وسائل الإعلام العبرية، ماجاء في الوثيقة المذكورة، ليس هذا فحسب، بل أعرب عن أمله بأن يتمكن من بيع 400 ألف برميل يومياً ( 12 مليون برميل شهرياً)، وأن تتم عملية البيع لأي جهة وأي شخص، شرط ألا تكون وألا تصل أموالها إلى سوريا وإيران”.
تتضمن الوثيقة المُسربة، كتاباً موقّعاً من رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، تفوض بموجبه رجل الأعمال الإسرائيلي “موتي كاهانا” وشركته بتمثيل “مسد” في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط المسروق من المناطق الكردية شرق الفرات(القضية تتعلق بانتاج 11 بئراً نفطية)، وذلك بموافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية( صاحب قرار العقوبات على سوريا)، مع إعطاء “كاهانا” حق استكشاف النفط بمنطقة الجزيرة السورية، الجدير ذكره هنا أنَّ المنطقة التي باتت القوات الكردية تسيطر عليها شرقي الفرات تحوي أكثر من 90% من أهم الموارد النفطية لسوريا.
اجتهد “كاهانا” هذا، على مدارِ سنوات الحرب التسعة، في إسباغ الصفة الإنسانية على عمله كمدير جمعية “عماليا “Amaliah (عمل الله)، لغوث اللاجئين السوريين (لديها مكتبان، واحد في الولايات المتحدة الأميركية وآخر في إسرائيل، و تنشط بين لبنان،الاردن،سوريا، تركيا وإسرائيل)، كما سوّق عبرموقع الجمعية الإلكتروني، أنَّ جمعيته تقدم خدمات إنسانية، للسوريين، لاجئين ومقيمين( على نسق “الخوذ البيض”).
كذلك جاهر “كاهانا” عبر الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي، بتدخله لمصلحة واشنطن وتل أبيب في الحرب على سوريا، وأنه كان من أولوياته في “عماليا” إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري(حزام أمني يهدف إلى حماية إسرائيل)، أضف الى ذلك كله، تؤكد صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنَّ كاهانا كان مديراً لجمعية كل ماتقوم به يتمّ بتوجيه من الجيش الإسرائيلي وبتنسيق عالٍ معه.
ذاتهم اللذين استماتوا لإنشاء المنطقة الآمنة في الجنوب، (الخاصرة الرخوة لإسرائيل)، انتقلوا بعد فشلهم بتلك المهمة، لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، آخذين بعين الإعتبار أنَّ ذلك سيسهل عليهم نهب الجزيرة السورية، (خزان سوريا الطبيعي)، و أنَّ المنطقة الآمنة ستضمن بقاء الأكراد في مأمن لفترة أطول، مايسمح بتبرير الوجود التركي هناك، وبالتالي إطالة عمر الحرب.
يسعى ترامب ، اليوم، الى تبديل الشكل الإستعماري لوجوده في سوريا، وذلك عبر سحب قواته النظامية و بناءِ جيوشٍ (مأجورة- مأمورة) قوامها وعديدها من أبناء الجزيرة السورية(عرباً وأكراداً)، يقودها ويدربها ضباطاً من دول التحالف الإستعماري(كشفت موسكو إنه فقط في النصف الثاني من حزيران /يونيو الفائت، وصل حوالي 540 شخصاً ،إلى شمال شرق سوريا، من بينهم 70 قائداً ومدرباً، وأنَّ المهمات الرئيسية لهذه القوات هي تدريب المقاتلين الموالين للولايات المتحدة وحماية مواقع النفط)، وبذلك يكون قد ضرب عصفورين بحجرٍ واحدةٍ.
العصفور الأول: أنه لن يترك الأرض الغنية بالنفط تعود لأهلها(الدولة السورية).
أما ثاني العصفورين فهو: وفائه بوعده (الكاذب) بسحب قواته من سوريا، فينسحب شكلياً ، تاركاً ورائه أذيالاً إستعمارية، على شكل منظماتٍ وجمعياتٍ (تعمل تحت غطاء الخدمات الإنسانية)، مثل “الخوذ البيض” و”عماليا”، وشركات خاصة و جيوش مأجورة على شاكلة “بلاك ووتر” وغيرها، مجبراً دول الخليج العربي، على دفعِ كامل التكلفة…وكله كرمى لعيون “إسرائيل”!!.
يذكرني هذا السعي الأميركي الدؤوب لخدمة الكيان الصهيوني، بإقامة منطقة آمنة مرةً في جنوب سوريا، وأخرى في شمالها، بالمثل الشامي الذي يقول: “وين ما بدو الفاخوري بيركب ادن الجرة”.
وهنا يأتي السؤال: ماذا لو سلم الفاخوري(الأميركي) ادن الجرة لفاخوري آخر(التركي)؟ وهل ستُكسر الجرة السورية يومها على رؤوس “قسد” وأخواتها، بعد انتهاء دورهم في مسرحية الثورة السورية؟.
حينها سينطبق،على “قسد” المثل القائل: “وجنت على نفسها براقِش”؟.
من يعش يرى.