إلى متى يستمر هذا الإهمال مستهدفا مرافق ومؤسسات الدولة؟ ومن يحمي الناس من فوضى لما تزل تضرب وتهدد الأمن الاجتماعي والصحي والبيئي؟ وهل بعد ما شهدنا ونشهد من تفاقم كارثة التلوث في أجزاء من نهر الليطاني يمكن السكوت والتغاضي أيضا عن ارتكابات ما تزال مستمرة؟ ومن ثم نسأل، بعد تفشي “الصفيرة” في مناطق النازحين السوريين أين هي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وسائر المنظمات الدولية المعنية بهذا الملف؟
وثمة أسئلة أيضا، لكن نكتفي بهذا القدر بحثا عن إجابات شافية، خصوصا وأن ملف الليطاني ما يزال حاضرا بقوة كقضية وطنية، أقل ما هو مطلوب اليوم لمواجهتها أن ترتقي الدولة بسائر مؤسساتها المعنية لتكون مواكبة لـ “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” بأكثر من إجراءات نرى أحيانا أن ثمة من يدأب ليروغ منها، تارة تحت شعار حماية الصناعة وطورا تحت ذرائع عنوانها إنساني لكن مضمونها غير منفصل عن جملة من التجاوزات بات من الملح التصدي لها.
الصفيرة تضرب
ألم يكن المسؤولون يعلمون أن استمرار أزمة الليطاني ستكون جالبة معها لأمراض سارية؟ هذا السؤال يأتي الآن حاملا هواجس كبيرة، خصوصا وأن “الصفيرة” ضربت في منطقة الجنوب، بسبب الصرف الصحي الذي يصب من أحد تجمعات النازحين السوريين مباشرة في الصرفند (قضاء الزهراني)، هذا في مجال التلوث المباشر، أي الجرثومي والبكتيري، لكن ماذا عن التلوث الكيميائي؟ وماذا عن تسجيل المزيد من حالات السرطان في أكثر من منطقة؟
وانشغل الرأي العام في لبنان عموما والجنوب بشكل خاص طوال اليومين الماضيين بقضية “الصفيرة” أو “التهاب الكبد الفيروسي الألفي” المعروف بـ (الصفيرة أ)، ما استدعى تحرك جهات عدة معنية.
مصلحة الليطاني
وكانت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” قد وجهت كتابا إلى محافظ الجنوب طلبت بموجبه “اتخاذ الإجراءات الرامية إلى إخلاء مجمعي النازحين السوريين في البيسارية والمسمى (مجمع البيبسي) والصرفند، والعائد للمدعو محمد منانا بسبب انتشار وباء الصفيرة بين النازحين فيهما”، وطلبت أيضا “تحويل مياه الصرف الصحي للمبنيين الى البساتين ومياه الري والطرقات ولتلافي انتشار الوباء بين المواطنين ولحماية مياه الري من الصرف الصحي الملوث والناقل للأوبئة”.
الأمم المتحدة
وفي هذا السياق، أكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة أمس انتشار حالات داء الصفيرة في تجمع للنازحين السوريين في الصرفند (قضاء الزهراني)، وبحسب المفوضية أيضا، فإن أكثر من 40 حالة تم إحصاؤها حتى الآن بين العائلات التي تبلغ حوالي 300 شخص، يقيمون في مبنى غير منجز يقع بجوار قناة مشروع ري القاسمية، وقد شهد مرات عدة فيضاناً لمياه الصرف الصحي وطوفاناً لمياه القناة في فصل الشتاء.
وذكرت أن المصابين ينتمون لفئات عمرية مختلفة، وأفادوا بأنهم قصدوا المستوصفات والصيدليات الموجودة في المنطقة لتلقي العلاج، واللافت للانتباه أن المصابين لم يعزلوا عن محيطهم تفادياً لانتشار العدوى.
وزارة الصحة
وفي هذا السياق أيضا، صدر عن وزارة الصحة العامة بيان صحافي أوضحت فيه ملابسات الصفيرة في حي النازحين السوريين في الصرفند.
وبحسب الوزارة، فإنه “بتاريخ 11/07/2019، تم إبلاغ وزارة الصحة العامة عن وجود 32 حالة من التهاب الكبد الفيروسي الألفي المعروف بالصفيرة أ في مخيم للاجئين السوريين في منطقة الصرفند – جنوب لبنان. على الأثر، قام فريق الترصد الوبائي التابع لوزارة الصحة العامة في محافظة الجنوب بالاجراءات الاستقصائية اللازمة، حيث تم التثبت مخبريا من 16 حالة. كما تبين أن معظم الحالات سجلت بين الأطفال بدون مضاعفات ولم تسجل أي حالة وفاة. كذلك اجريت فحوصات للمياه المستخدمة في المخيم حيث أظهرت النتائج وجود تلوث برازي في بعض العينات.
وأكدت الوزارة أن فريق الترصد الوبائي في محافظة الجنوب بالتنسيق مع “مفوضية الامم المتحدة العليا للاجئين”UNHCR تابع هذا الموضوع عن كثب لإتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
إجراءات الوقاية
وفي هذا الإطار، عرضت وزارة الصحة العامة لجملة من الملاحظات من أجل الوقاية، وشددت فيها على ما يلي:
– لا صحة لوجود حالات كوليرا في مخيم اللاجئين السوريين في الصرفند ولا في أي منطقة أخرى في لبنان كما أشيع في بعض وسائل الإعلام.
– إن مرض التهاب الكبد (الفيروسي أ) ناتج عن فيروس يصيب الكبد ويسبب أعراضا مرضية تتراوح عادة بين البسيطة والمتوسطة وقد تشمل: الحمى، التوعك، فقدان الشهية، الإسهال والغثيان، ألم في البطن، بول غامق اللون والإصابة باليرقان.
– ينتقل المرض عبر الطريق البرازي – الفموي إما بطريقة مباشرة عبر استهلاك المياه أو الأغذية الملوثة، أو بطريقة غير مباشرة عبر التماس الجسدي المباشر مع شخص مصاب بالعدوى. كما ينتقل المرض عن طريق استخدام المرحاض غير النظيف والمشاركة في استعمال أدوات الطعام.
– تقتصر معالجة المرض على علاج الأعراض مع الحفاظ على الراحة وتوازن غذائي مستقر وتعويض ما فقد من السوائل. كما أنه من المهم عدم استخدام المضادات الحيوية لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
– إن الحد من انتشار المرض يتم عبر شرب واستخدام المياه المأمونة لا سيما عند غسل الخضار والفواكه واتباع ممارسات النظافة الشخصية، وخصوصا غسل اليدين قبل تحضير وتناول الطعام وبعد استعمال المرحاض. كما يجب التخلص من مياه الصرف الصحي بطرق سليمة.
أسئلة وهواجس
ومما تقدم، لم نفهم على وجه التحديد ما قصد بيان وزارة الصحة العامة و”مفوضية الامم المتحدة العليا للاجئين”UNHCR بموضوع “إتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة”، هل هذا يعني أن يظل الحال على ما هو عليه ومعالجة النتائج فقط؟ وهل يعني ذلك أيضا ألا تكون ثمة إجراءات ترفع التلوث عبر تحديد أمكنة للنازحين بعيدا من مجرى أقنية الري ومجرى الليطاني؟ وهل المطلوب أن تبقى الأمور سائبة تطاول النازحين المغلوب على أمرهم؟
هذه الأسئلة أقرب ما تكون إلى هواجس، على أمل أن تكون ثمة إجراءات سريعة، خصوصا من قبل “مفوضية الامم المتحدة العليا للاجئين”، دون أن يعني ذلك أن تتنصل سائر الجهات المعنية في الدولة من مسؤولياتها، ولا سيما الوزارات المعنية بهذا الملف؟