حذر ديوان المحاسبة البولندي، في تقرير أصدره في يونيو/ حزيران، بعنوان “بولندا، صحراء أوروبا”، من أن “كل بولندي لديه إحصائيا 1600 متر مكعب من المياه سنويا، أي أقل بـ3 مرات من المعدل في الاتحاد الأوروبي”، حيث يتحول قطاع كامل من الأراضي من الغرب إلى الشرق ببطء إلى مسطحات جافة، وفي ظل الأضرار الكبيرة على صعيد الزراعة والتنوع الطبيعي والغابات بفعل الجفاف، تدفع الثروة الحيوانية أيضا ثمن هذه الأزمة.
ويقول المتحدث باسم الهيئة البولندية الرسمية المكلفة بوضع سياسة شاملة للمياه، سيرجيش كيرجيل: “تراجع المستوى في 2018 وهي سنة جافة للغاية، إلى 1100 متر مكعب من المياه لكل نسمة، أي أدنى تقريبا من عتبة الأمن”، وتنذر هذه السنة بتكرار الوضع عينه، ففي مطلع يونيو/ حزيران الماضي، اضطرت مدينة سكيرنيفيتسه على بعد 80 كيلومترا من وارسو إلى قطع المياه عن بعض الأحياء.
وخلال بضعة أيام، لم يكن التموين بالماء متوفرا إلا للسكان في الطبقات الأرضية، فيما كان القاطنون في الطبقات العليا يتزودون بحاجاتهم المائية عن طريق عبوات بسعة 10 لترات مقدّمة من البلدية.
وأعلنت الهيئة البولندية للموارد المائية حال الإنذار في يوليو/ تموز، مشيرة إلى أن ثلثي البلاد قد تشهد شحا للمياه في آبارها الأقل عمقا، وفرضت أكثر من 320 بلدية سياسات لترشيد استهلاك المياه، وقد حظر بعضها ملء أحواض السباحة أو ري الحدائق أو غسل السيارات تحت طائلة فرض غرامات كبيرة..
وتضطر مقاطعات محرومة من المياه من شراء حاجاتها من مناطق مجاورة، ما يتسبب في نزاعات اجتماعية، كما الحال في سولميجتسه وسط البلاد التي تتهم منجما للفحم البني بالتسبب في خفض مستوى المياه الجوفية، أو في بودكوفا ليشنا قرب وارسو، حيث يحمل السكان على جيرانهم على خلفية الإسراف في استهلاك المياه لري الحدائق.
ويبقى تخزين المياه أكبر المشكلات التي ينبغي لبولندا مواجهتها في السنوات المقبلة، وبسبب نقص الخزانات، لا تخزن سوى 6.5% من المياه التي تعبر أراضيها، فيما تبلغ النسبة في إسبانيا 49%..
ولمواجهة هذا الوضع الطارئ، تعتزم الحكومة إنشاء حوالى 30 خزانا لتخزين المياه بحلول 2027 بهدف مضاعفة مستوى المياه المخزنة حاليا، ويبلغ المعدل الأوروبي 4500 متر مكعب سنويا لكل نسمة، والرقم القياسي مسجل لكرواتيا مع 27330 مترا مكعبا، بحسب هيئة الإحصاءات الأوروبية “يوروستات”، وكذلك تسجل التشيك مستوى متقاربا مع بولندا في هذا المجال، فيما تذيل قبرص ومالطا القائمة إذ لا تضم هذه الجزيرة الأخيرة سوى 220 مترا مكعبا من المياه لكل نسمة.
وخلافا للأفكار المتوارثة، لم تحظ يوما بولندا الواقعة عند ملتقى مناطق مناخية محيطية وقارية، بكميات مياه وافرة، وتشهد هطولا للأمطار بمعدلات أقل من بلدان أوروبا الغربية، فيما نسب التبخر متقاربة، ومع التغيرات المناخية والتواتر الأكبر في مواسم الجفاف والأمطار الغزيرة لفترات مقتضبة، بات الوضع في البلاد مقلقا.