الطفولة السياسية التي يعيشها قادة “قسد”، جعلتهم يصدّقون أنَّ راعي البقر الأميركي سيقطع علاقاته مع “لص استنبول” كرمى لعيون حلمهم ببناء وطن، ذلك رغم أنَّ السفير الأميركي السابق في سورية “روبرت فورد” حذرهم مؤخراً من أنَّ : الأميركيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام حسين. متساءلاً هل (الأميركيون) سيعاملون الإتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، بشكل مختلف عن هنري كيسنجر مع الأكراد العراقيين عندما تخلى عنهم”.
تصديقهم لوعود “اليانكي”، و معاداتهم للدولة السورية، أثمرت فراغاً كبيراً في مناطق الشمال والشمال الشرقي، فولد مايسمى الإتفاق الأميركي- التركي، حول المنطقة الآمنة(المعزولة).
ولايعلم قادة الفصائل الكردية التي تحارب الدولة السورية، أنَّ وراء أكمة (الإتفاق)ماورائها، وأنهم الخاسر الأكبر من هذا الإتفاق العسكري (عقده وأعلنه عسكريون، على عكس اتفاق منبج الذي أعلنه دبلوماسيي البلدين)، فيما سيضرب لص اسطنبول عصفورين بحجرٍ واحدةٍ ، الأول هو أنَّه (أردوغان) سيكون أول حاكم تركي، منذ أيام أجداده العثمانيين، يدخل الأراضي السورية، ويصل الى قبر السلطان سليمان شاه (السفاح)، وهذا نصر يُسجل له داخلياً.
أما العصفور الثاني فيكمُن في أن الإتفاق سيتيح للتركي، خلط الأوراق (ديمغرافياً) في المنطقة، وذلك بأن يزرع حاجز سكاني قوامه مئات الآلاف من البشر من أصولٍ تركمانية أو عربية، من أولائك القاطنين هذه الأيام في مخيمات اللجوء (فيظهر كبطل إنساني أنقذ هؤلاء المساكين)، يؤمن من خلال ذلك الحاجز، عزل أكراد سوريا عن أكراد تركيا، وبالتالي يضمن تمزيق الكيان الكردي قبل ولادته، (تجدر الإشارة الى أنَّ تركيا بدأت قبل عامين مشروعها هذا عبر توطين عشرات آلاف العرب في مئات البلدات التي نزح عنها الأكراد في ريف عفرين شمال سوريا).
عداك عن أنَّ الإتفاق، فيما لو طُبق كما يريد الأتراك (المنطقة العازلة بعمق 40 كم) فان ذلك يعني سيطرة التركي على حقول الرميلان النفطية، مايضمن له حرمان الأكراد من الموارد والمداخيل الضرورية لكيانهم الكردي المستقبلي، وهذا نصر آخر.
أما لو طبق الإتفاق حسب رغبة الأميركيين (المنطقة العازلة بعمق 5-15 كم)، فإنهم سيخرجون من هذا الإتفاق، بحصة الأسد، وسيكون لهم الحق في السيطرة على حقول النفط في الرميلان( كانت تنتج بحدود 100 ألف برميل يومياً من النفط الثقيل قبل 2011)، وعشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، في بلدات الدرباسية وعامودا والقامشلي(التي يعدها أكراد سوريا عاصمتهم)، في حين يُمَّني الكُرد أنفسهم بأنهم سيشاركون في الإدارة ذاتية لتلك المنطقة(فقط).
تترك الضبابية التي تحيط بتفاصيل ذلك الإتفاق، الباب مفتوحاً على تساؤلاتٍ عدة، ففي حين ضَمِنَ الإتفاق سحب كل السلاح من أيدي الفصائل الكردية، لماذا لم يأت على ذكر ترسانة السلاح الذي تمتلكها الفصائل الإرهابية المتواجدة في المنطقة ذاتها (هيئة تحرير الشام المدعومة تركياً)، كما أنه لم يتطرق لمصير تلك المجموعات، بعد البدء بتطبيق الإتفاق؟.
و هل سيرضى القيصر الروسي، بالأمر الواقع، فيظهر وكأنه ساذج في السياسة الخارجية، انقلبت عليه تركيا وذهبت صفقة الS400 مجاناً؟
ثم الى أي مدى يُدغدغ الإتفاق أحلام (أردوغان)، في إحياء “ميثاق ملّي” 1920 العثماني في احتلال شمالي سوريا والعراق؟؟.
وكيف سيخدم هذا الإتفاق الكيان الصهيوني؟.
الإتفاق أتى تحصيل حاصل، فلا التركي دخل سوريا لمحاربة الأكراد، وليس هدف الأميركي فيها، محاربة الإرهاب(الكذبة الممجوجة)، القصة ومافيها، أنَّ الطرفان يلعبان لعبة شراء الوقت لإطالة الحرب في سوريا (كي يستطيعان نهب أكبر قدر ممكن من الثروات وتدمير البلاد).
فور الإعلان عن الإتفاق، حضرني قول كارل ماركس: “إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرةً على شكل مأساة، ومرةً على شكل مهزلة”، فالاتفاق، في حال تطبيقه، يُعد انتصاراً كبيراً لتركيا على الأكراد، كونه سيجردهم من أسلحتهم ويطردهم خارج كل المنطقة، وستذهب دماء من سقط منهم رخيصةً وهذه (مآساة)، ومن جهة أخرى هو عبارة عن رسالة مبطنة موجهة بخباثة المستعمر المعهودة، الى كل الفصائل الكردية في الشمال السوري، وعلى رأسها “قسد”، تقول: لم يعد بإمكاننا حمايتكم، نستطيع فقط درء الخطر عنكم، ولمدة معينة فقط (مهزلة).
أخيراً، يبقى هذا الإتفاق حبراً على ورق، مالم يَقُل فيه، أصحاب الأرض الحقيقيون (السوريون) كلمتهم الفصل.
فهل من رسالة سورية أخيرة الى الكُرد، تنقذهم؟ أم ليس للكردي من يُراسله.