عشرة أيام في منطقة جنوب إيطاليا الساحرة، يستحيل اختزالها بأسطر وكلمات، وكم صعب أن ننقل انطباعاتنا وقد توطنت في الذاكرة من خلال عرض سريع مقتضب، لكن تبقى الإشارة إلى أن ثمة أمورا كثيرة مشتركة بين لبنان وإيطاليا، إيقاع الحياة وصخبها، جمال البحر وروعة الشاطئ، غير أن السلاحف البحرية جمعتنا على حب الطبيعة واحترام كائناتها، والسلاحف أيضا كانت عنوان تعاوننا، فاكتسبنا كلبنانيين معارف كثيرة في عمل يومي مكثف بين مركز إنقاذ السلاحف البحرية في كاليميرا وفضاء المتحف الطبيعي من جهة، والشاطىء ومداه الأوسع من جهة ثانية، وكنا جزءا من مجموعة واحدة عملت وتكاملت بدءا من إنقاذ ومعالجة السلاحف مرورا بمتابعة أمور علمية متعلقة بسبل رعايتها وصولا إلى إطلاقها في البحر.

وسط كل ذلك كان القيمون على المركز مندفعين لنقل خبراتهم إلينا، والأهم تمثل في التكامل بين جميع العاملين، فلكل مهامه، ولكل اختصاصه ومجاله، والتنظيم سمة خاصة أكدت أهمية التكامل والتناغم بعيدا من الاستفراد والشخصانية، وهما السبيل الأمثل للنجاح والتطور، وبهذه الروحية واكبنا وعملنا جنبا إلى جنب مع العاملين في اختصاصات ومجالات مختلفة، أطباء، خبراء، موظفين ومسؤولين، حتى الصحافة الإيطالية كانت حاضرة ومتابعة، فالبحر أولوية وكائناته منذورة للحماية والاهتمام والرعاية.

ما يهمنا في هذا المجال لم ينتهِ بعد، وإنما سيبدأ تعزيزا لرعاية سلاحف البحر، فما اكتسبنا من تجارب سيكون مساعدا في نقل التجربة إلى لبنان، وسنكون حاضرين حيث تدعو الحاجة، وهذا ما كنا نتطلع إليه، كنا وسنبقى.

ITALI1

مشاهدات بين بيسكولوز وغاليبولي

بين منطقتي بيسكولوز Pescoluse وغاليبولي Gallipoli توزعت الأعشاش التي يهتم بها مركز إنقاذ السلاحف البحرية في كاليميرا Calimera، وأحد الأعشاش في بيسكولوز كان مثيرا للدهشة، فقد استغرق فقس كامل البيوض فيه تسعة أيام متتالية، ومن أصل 126 بيضة فقست 102 منها، وبدت واضحة جدا لهفة رواد الشاطئ لمتابعة هذا الحدث، ما استلزم التخييم عند الشاطئ ليلا، وعند هذا الشاطئ تحديدا لم يكن ثمة أضواء، باستثناء ضوء لمنتزه مجاور، وكان لافتا للانتباه أن السلاحف الصغير كانت تستدير نحو الأضواء البيضاء لا إلى وجهتها في البحر، ما اضطرنا لمراقبتها ومساعدتها للوصول إلى وجهتها.

على بعد عشرين مترا من هذا العش، خرجت بشكل مفاجئ سلاحف صغيرة واتجهت نحو البحر، وتبين لنا أنه كان هناك عش غير محمي ومراقب، ولكن وجود الناشطين على الشاطئ ساعد في حمايتها وتوجيهها نحو البحر.

أما في غاليبولي فأحد الأعشاش كان داخل حرم منتجع سياحي حيث تخف الأنوار ليلا، وقد بدا واضحا اهتمام إدارة المنتجع لناحية إخلاء المكان المجاور وتخصيص ممر خاص لتسهيل عبور السلاحف الصغيرة إلى البحر.

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن الشواطئ بدت نظيفة، وتاليا كان المواطنون متعاونين، فيما الأطفال بدوا مهتمين وبدا ذلك من خلال أسئلتهم والتي كان فريق مركز الإنقاذ في كاليميرا مستعدا للإجابة عليها، وقدمنا هذا العرض لنؤكد كم نحن بحاجة في لبنان إلى تبني حماية السلاحف بكل هذا الشغف.

إطلاق السلاحف بعد معالجتها

ضمن برنامج الدورة الدريبية كان قد أدرج إطلاق سلاحف خضعت للعلاج في المركز، وبدأت الاستعدادات قبل يوم، وتم تحديد ثلاث سلاحف لإطلاقها بعد أن تعافت كليا، اثنتان منها منو نوع “كاريتا كاريتا” وواحدة سلحفاة خضراء، وتم وضع حلقات معدنية صغيرة لتمييزها مدموغة باسم المركز ورق الهاتف.

رافقنا المدير بيارو كارلينو إلى مكتبه، وأعد نسختين من رسالة رسمية بهذا الخصوص، الأولى رفعها إلى الشرطة المحلية والثانية إلى البلدية، ومن ثم تحدد موعد الإطلاق، وصلنا إلى الشاطئ الشعبي المحدد، وكان قد بدأ يتردد بين رواد الشاطئ أن ثمة سلاحف ستطلق إلى البحر.

أثناء انتظارنا لوصول السيارة المخصصة لنقل السلاحف تحلق حولنا مواطنون من كافة الأعمار، فطُلب منهم التوجه نحو الشاطئ، وكانت الشرطة المحلية حاضرة، وقام المتطوعون من إحدى الجمعيات المحلية بالمساعدة في التنظيم بالتنسيق مع مركز الإنقاذ في كاليميرا.

ومع وصول السلاحف توجهنا بها نحو الشاطئ سالكين ممرا بشريا امتد عشرات الأمتار من الرمال إلى عمق البحر، وكان لافتا للانتباه أن المشهد بدا قريبا لما نشهده في لبنان مع إطلاق صغار السلاحف من على شاطئ المنصوري، الأسئلة ذاتها، والرغبة في التقاط الصور والفيديوهات، وأيضا الصخب ذاته، ولا يخلو الأمر من بعض التدافع.

الخبيران سيمونا بوتنزا Simona potenza ولويجي بوتنزا Louis j potenza من متحف كاليميرا رحبا بالحضور وعرفا بالوفد اللبناني المشارك، قدما عرضا علميا يشمل مختلف مراحل حياة السلاحف، وأجابا على أسئلة الجمهور بطريقة ممتعة ومفصلة.

أما بيارو كارلينو فكان يراقب عن كثب حركة السلاحف، وكان ثمة صخب من قبل الحضور فطلب منهم الهدوء كي لا تجزع السلاحف.

وقد خص المركز “جمعية Greeen Area الدولية” لإطلاق السلحفاة الخضراء، وخص أيضا محمية صور الشاطئية بإطلاق إحدى السلخفاتين الباقيتين، كنوع من التكريم نظرا لمشاركتهما.

ITALI2

الصحافة الإيطالية

وكان لافتا للانتبان اهتمام الصحافة الإيطالية الورقية بعمل المركز ومتابعة أنشطته يوما بيوم، وتخصيص مساحات كبيرة للتغطية، فيما توقفت بأكثر من عدد عند المشاركة اللبنانية، وأثنت على التعاون بين لبنان وإيطاليا في هذا المجال، وأفردت مساحة أيضا لإلقاء الضوء على هذا التعاون وعلى المجهود الذي يبذله متحف كاليميرا لجهة رعاية وحماية السلاحف.

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This