لا بد في البداية من التقدير الكبير لخطوة وزارة البيئة الهامة جدا، وبالعمل الجاد على إصدار مرسوم الفرز من المصدر رقم 5605 تاريخ 11 أيلول 2019.
إن صدور هذا المرسوم يشكل لحظة تاريخية هامة جدا في مسار الإدارة السليمة بيئيا للنفايات الصلبة المنزلية، والنفايات المشابهة لها من مختلف المصادر الأخرى.
تتمثل هذه الأهمية بانتقال “الفرز من المصدر” من شعار إلى سياسة حكومية رسمية. هذا الشعار، الذي حملته الحركات البيئية عبر العقود الثلاثة الأخيرة، وربما قبلها أيضا، على اختلاف تكويناتها وتنظيماتها، منذ “منبر البيئة” في بدايات التسعينات، وحتى “التجمع اللبناني لحماية البيئة” و”الحركة البيئية اللبنانية” و”إئتلاف إدارة النفايات” و”تحالف صفر نفايات” وغيرها الكثير في أيامنا هذه، التي عملت بكل جهد وتفاني لنشر الوعي البيئي لمسألة الفرز من المصدر باعتبارها المدخل الحقيقي للإدارة المتكاملة السليمة بيئيا للنفايات، ولتمكين نظام الإدارة من استرداد قيمة الموارد، التي تحتويها النفايات، وإعادة إدخالها في الدورة الإقتصادية – الإنتاجية باعتبارها موارد ثانوية، وتحويل بعضها وتصنيع بعضها الآخر، تحقيقا لرؤية “الإقتصاد الدائري”، التي تحكم راهنا خطط وبرامج إدارة النفايات الصلبة المنزلية في مختلف بلدان العالم، المتقدمة منها والنامية.
إن هذا التقدير الكبير للمرسوم، لا يمنعنا من وضع بعض الملاحظات السريعة عليه، بهدف تعزيزه وزيادة فعاليته في دفع الإدارة السليمة بيئيا للنفايات الصلبة المنزلية في لبنان بقوة كبيرة نحو تحقيق التقدم المنشود.
أولا، في المادة الرابعة من المرسوم، بعنوان مكونات النفايات المنزلية الصلبة، نرى ضرورة إضافة المكونات الخطرة من النفايات المنزلية، أو ما نسميه النفايات الخطرة من مصادر منزلية، إلى الفئات المذكورة في الجدول رقم 1. وهذه النفايات الخطرة مثل مواد قابلة للإشتعال، مواد سامة وضارة، أدوية بشرية وبيطرية منتهية الصلاحية، عبوات بلاستيكية أو زجاجية أو معدنية كانت تحتوي على مواد خطرة وسامة، منتجات تالفة تحتوي على الزئبق مثل مصابيح التوفير، التي تحتوي على الزئبق، موازين الحرارة وغيرها. وكذلك البطاريات من كل الأنواع والأحجام، وكذلك بعض عبوات مواد التنظيف ومستحضرات العناية الشخصية، وبعض مستحضرات العناية بالسيارة أو تصليح الآلات، وغير ذلك.
نعتقد أن تجاهل ذكر هذه الفئة من تصنيف مكونات النفايات، بمعزل عن دوافع أو سبب هذا التجاهل، سوف يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة، حيث ستبقى النفايات الخطرة في سيل النفايات الصلبة المنزلية، وعند فرزها سوف يتم توزيعها بين النفايات البلاستيكية والمعدنية والإلكترونية وربما غيرها من مكونات النفايات، مما يؤدي في الواقع إلى تلويث كميات أكبر من النفايات، ويجعل من إعادة تدويرها مترافقا بمخاطر على صحة العاملين والسكان، وعلى البيئة عند وصول بقايا النفايات إلى المطامر.
لذلك، نقترح أن تضاف هذه الفئة الهامة، النفايات الخطرة المنزلية، إلى لوائح التصنيف، وإلى نظام الجمع المنفصل، على الرغم من أن كمياتها قليلة نسبيا، أي بين 1.5 – 3 بالمئة من مجموع سيل النفايات الصلبة المنزلية.
ونقترح أن يتم تجميعها بشكل منفصل، حيث تنقل إلى مواقع للتخزين الآمن تفاديا لمخاطرها على الصحة البشرية وعلى البيئة. وبعضها يمكن أن ينقل إلى مصانع متخصصة بإعادة التدوير أو استخلاص بعض مكوناتها ذات القيمة العالية، مثل البطاريات الكبيرة، لاستخلاص الرصاص، أو الكابلات لاستخلاص الألمنيوم أو النحاس بطرق آمنة صحيا وبيئيا، تفاديا للحرق في الهواء الطلق، التي تمارس حاليا وتترافق بمخاطر كبيرة جدا على الصحة العامة وعلى البيئة نتيجة انبعاث غازات عالية السمية تتولد عن الحرق العشوائي لمواد تحتوي على هالوجينات أو مواد كيميائية سامة.
ثانيا، في المادة التاسعة، عند الحديث عن مراكز الإستلام، ينحصر الحديث عن نقل المواد إلى مراكز إعادة التدوير، ويتم تجاهل الحديث عن نقل المكونات العضوية إلى مراكز للتسبيخ أو وحدات التسبيخ Compost units، حيث يمكن خلط نفايات الأكل الآتية من المطبخ وعن النفايات الزراعية ونفايات الحدائق وبعض روث المواشي، وذلك بغاية تسبيخها لإنتاج كوبوست عالي الجودة، يحتاجه سوقنا المحلي، ويكون قابلا لتصدير أيضا. أو إذا وسعنا آفاق رؤيتنا، لنجمع المكونات العضوية من النفايات المنزلية مع وحول محطات معالجة مياه الصرف الصحي ونفايات المسالخ والملاحم دون العظام، ونفايات أسواق السمك وأسواق الخضار، لتحال مجتمعة إلى مركز للهضم اللَّاهوائي لإنتاج البيوغاز، وبالتالي توليد الطاقة الأنظف، كما هو الحال في معمل صيدا على مستوى صناعي كبير، ومعمل بكاسين على مستوى بلدي صغير.
يمكن الإسراع في أخذ هذه الملاحظات بعين الإعتبار، وعدم التأخير في تعديل المرسوم، ليصبح عند تطبيقه أداة فعالة في إرساء نظام الإدارة المتكاملة السليمة بيئيا للنفايات الصلبة المنزلية.