كيف تعايش اللبنانيون عقودا ثلاثة أو أكثر مع كارثة الليطاني، خصوصا وأنهم يدفعون اليوم ثمن ما اقْـــتُـرف بحق النهر الأهم في لبنان من جرائم وتعديات وانتهاكات؟ وأين الدولة مما هو قائم ومستمر اليوم، ولا سيما في البقاعين الأوسط والغربي؟ وإلى متى يبقى الليطاني “مجرور” مخصص لسائر المخلفات؟

ما رصدته ووثقته “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” مؤخرا في موضوع الإستراحات والمنتزهات وحدها، يؤكد أن النهر بضفافه ومجراه كان بمثابة “الرزق السائب” وقد علم الناس “الحرام” في غفلة من الدولة، أو تحت “عيونها” وأحيانا برعايتها، ونتحدث هنا عن سنوات الحرب وما أعقبها من استنساب وتوظيف العام من أملاك الدولة كسبا للمؤيدين، كأن “يهدي” أحدهم منتزها بلا مواصفات نهائيا لـ “مفتاح إنتخابي”.

حجم الفضائح في موضوع الاستراحات والمنتزهات جاء صادما، فهل تتحمل سائر الوزارات المعنية مسؤولياتها بمستوى ما تقتضيه الضرورة رأفة بصحة الناس والبيئة التي يعيشون وسطها؟

 

مراحيض عامة في حرم النهر

 

ما يسترعي الانتباه في هذا المجال أن سائر الاستراحات لم تستوفِ الشروط البيئية والصحية، لا بل ثمة تعديات على الأملاك النهرية، وهذا يعني مخالفة مضاعفة، خصوصا وأن هذا الملف ظل غائبا لزمن طويل عن رعاية الدولة المفترضة، ما ساهم بتفاقم الأمور وتعميم الفوضى، لا بل هناك نحو نصف مليون متر مربع من التعديات تحولت إلى منتزهات ومنتجعات ومنازل ومطاعم ومواقع استجمام خاصة، والكارثة أنه تم إنشاء مراحيض عامة في حرم النهر، ما يؤكد وجود تخاذل وإهمال كبيرين، ولا سيما من وزارة الطاقة والمياه وغيرها من مؤسسات معنية.

وفي هذا السياق، كان قد أكد المدير العام لـ “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” سامي علوية أن “الوزارات المتعاقبة لم تقم بإعداد مراسيم وخرائط لتحديد الأملاك النهرية”، وهذا يدل على مدى استشراء المشكلة في جانبيها الصحي والبيئي، خصوصا وأن معظم الاستراحات المتواجدة على ضفاف الليطاني تتعدى على مجرى النهر الطبيعي وعلى الأملاك النهرية التي تم تحديدها على الخرائط العقارية بغض النظر عن التراجعات المفروضة عن الأنهر والمجاري المائية حسب قانون البناء والقوانين المرعية الإجراء.

 

الاستراحات نوعان

 

وتنقسم هذه الاستراحات الى نوعين، وفق ما حددته المصلحة:

أولا: استراحات عامة تستثمر لاستقبال الزبائن الوافدين الى النهر حيث يقوم اصحابها باستثمار عقارات قريبة من النهر وبالتعدي على أملاك نهرية عامة ابتغاء لزيادة في الارباح.

ثانيا: استراحات خاصة، وهنا حيث يستملك أصحابها الأملاك العامة المرتبطة بالنهر لمنفعتهم الخاصة.

وفي السياق عينه، تقوم المصلحة بالكشف على الاستراحات لتبيان أعدادها وتوزعها ووجهة استعمالها، فضلا عن ازالة المساحات المتعدية على الأملاك العامة، ولا سيما تلك المعيقة لجريان المياه الطبيعي في النهر، وهنا لا بد من التنويه إلى أن أعمال الكشف عن استراحات جديدة ما تزال متواصلة، وتتوقع المصلحة أن تزداد أعدادها على نحو أكبر، وسيكون ذلك موثقا بخرائط مفصلة.

 

المساحات المخالفة عبر الجو

 

وبحسب المصلحة، تبلغ عدد الاستراحات المتعدية على ضفاف نهر الليطاني لغاية الآن 297 استراحة، تتوزع بين 134 استراحة عامة و163 استراحة خاصة، وقامت فرق المساحة التابعة لها بمسح واعداد خرائط لـ 162 استراحات، بينها 80 استراحة عامة و82 استراحة خاصة، وتقدمت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” بإخبارات للنيابة العامة المالية بحق 71 استراحة في الحوض الأدنى لنهر الليطاني، وهي تعمل على استكمال اعداد الاخبارات تباعا لكل الاستراحات المخالفة فور جهوز الملف المتعلق بكل استراحة.

وأيضا بالاستناد إلى دراسات المصلحة، فقد بلغت المساحة المتعدية على نهر الليطاني حسب الخرائط المنجزة من قبل فرق المساحة التابعة للمصلحة 130,621 م. م. علماً أن المسح لم يطل لغاية الآن أكثر من 54 بالمئة من الاستراحات التي وثقت، فيما باشرت المصلحة العمل على إعداد الملفات الخاصة بها، ما يعتبر مؤشرا واضحا الى ان التعدي سوف يبلغ مئات آلاف الأمتار المربعة المتعدية على الأملاك العامة النهرية، عند انتهاء الفرق المعنية داخل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني من اعداد الخرائط وتبيان كامل الاستراحات المتعدية على النهر.

وقد حددت المصلحة المساحات التقريبية المخالفة على امتداد الليطاني، من خلال استخدام المصورات الفضائية والصور الجوية وقد تم تحديد مجرى نهر الليطاني فضلا عن المنشآت القائمة على ضفافه، وكذلك تحديد المساحات المخالفة عبر الجو من خلال كشوفات قامت، ولا سيما في الأماكن كثيفة الأشجار، أو تلك التي يصعب للصور الجوية التقاطها نتيجة صعوبة تضاريسها، وقد تبين وجود ما يقارب 342 منشأة في الحوض الأدنى بمساحة متعدية تقدر بـ 192,392 م. م، وتبين أيضا وجود ما يقارب 408 منشأة ضمن الحوض الأعلى للنهر بمساحة متعدية تقدر بـ 257,740 م. م، وتعد الاستراحات في الحوض الأعلى قليلة نسبيا، خصوصا مع تحول النهر الى مجرى لتصريف الصرف الصحي صيفا، وبالتالي غياب المقومات السياحية لإنشاء هكذا مشاريع، الا أن الجدير بالذكر أن ما يقارب نصف هذه المنشآت عبارة عن مخيمات نزوح اذا صح القول، فهي تعتبر “استراحات” أكثر ضرراً.

 

… والمحررة

 

وفي سياق متابعتنا، تجدر الإشارة إلى أن المصلحة تواصل العمل على ازالة هذه التعديات تباعا، وبلغت المساحات المحررة 127,558 م. م، وحسب المصلحة، فإن هذه المساحة تمت ازالتها قبل اعداد الدراسة المتعلقة بالمنشآت المتعدية على حوض الليطاني، أي أنها لا تدخل ضمن مساحة المنشآت المتعدية حسب الدراسة والمقدرة بـ 257,740 م. م، وكانت قد استغلت من قبل البعض ضمن مشاريع زراعية دون وجه حق، يضاف إليها خيم النازحين السوريين وأبنية ومزارع المواشي والمكبات العشوائية، في حين بلغت المساحات المحررة من الاستراحات المخالفة في الحوض الأدنى بأكثر من  59,190 م. م، هذا فضلا عن ازالة أكثر من 45 سدا وعائقا أمام الجريان الطبيعي للمياه داخل النهر، والتي كان يقوم بها بعض أصحاب الاستراحات لتحويل النهر الى مسبح خاص ولمنافع خاصة.

إن هذه الأرقام تمثل انجازا نوعيا حققته “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” في خلال فترة قصيرة وفي ظل الامكانيات المحدودة المتاحة.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This