انقلب السحر على الساحر فبعدما كانت المضادات الحيوية العلاج النافع للقضاء على الجراثيم حتى واجهتها هذه الاخيرة بكل قوة وغيرت جيناتها الوراثية الى درجة لم تعد تستطيع المضادات الحيوية القضاء عليها مما ينذر بخطر صحي مقبل يهدد البشرية. فانشغل العالم بأسره خصوصا العلماء في كيفية ايجاد طرق للحد من  انتشار البكتيريا المقاومة، وكان ان السبب في انتشارها هو التناول العشوائي للمضادات الحيوية دون الرجوع الى الطبيب، فاختلط الحابل بالنابل وهذا ما يحدث في اكثريته في لبنان حيث يختصر المريض علاجه عند الصيدلي في تناول اي كان من المضاد الحيوي دون استشارة الطبيب مما تكون النتيجة لا شفاء سريع من المرض المصاب به واكثر ما يقع ضحية ذلك الاطفال وكبار السن و ذوي المناعة الضعيفة . انطلاقا  من ذلك علت صرخة الاطباء من ذوي الاختصاص في علم الجراثيم والمناعة للحد العشوائي من المضادات الحيوية. الا ان السؤال الذي يطرح نفسه : هل من يسمع تلك النداءات  الصحية في الكف عن الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية ؟

حرب شرسة مقبلة من الجراثيم

بهدف الغوص في مكامن الخلل  في سر مقاومة  الجراثيم للمضادات الحيوية، كان  للاختصاصي في علم الجراثيم الدكتور الياس الهراوي ان شرح بالتفاصيل الحرب العالمية بقيادة البكتريا المقاومة مما قال ل greenarea.info:” اذا اعيد التركيز اليوم حول مقاومة المضادات الحيوية فلانها غدت مشكلة  صحية خطيرة ليس فقط في لبنان بل في العالم كله كون اكثرية المضادات الحيوية صار لديها  مقاومة  للجراثيم  الموجودة  مثل التهاب البول وغيره. كل ذلك بسبب كثرة الاستعمال  العشوائي للمضادات الحيوية بحيث باتت البكتريا عندما تتعرض لمواجهة المضاد الحيوي في حال لم يكن العلاج صحيحا ومناسبا عندها  تتكاثر في تغيير من تركيبتها مما ينتج ذلك  مناعة ضد المضاد الحيوي. من هنا يكون الحل العلمي اما تغيير جزئيات من المضادات الحيوية او تخفيف استعمالها لكي تندثر البكتيريا المقاومة لوحدها او تموت فضلا عن انه من الضروري اخذ العبرة من  بعض بلدان اوروبا  واميركا بأن لا تعطى المضادات الحيوية الا ضمن الوصفة الطبية من الطبيب  مع اهمية التخفيف من استعمال المضاد الحيوي او تناوله من عند الصيدلي  دون وصفة واستشارة الطبيب المختص كما وانه على الاطباء  ايضا ان لا يعطوا المضادات الحيوية عشوائيا .”

اما  في ما يتعلق حول انتشار مثل هذه الحالات من المقاومة البكتيرية في المستشفى فابرز ما شدد عليه الدكتور الياس الهرواي :” المشكلة ان هناك شريحة مهمة من المستشفيات في لبنان يتم التقاط فيها  البكتيريا  او الجراثيم بسهولة  خصوصا عند وضع تمييل لادرار البول  وما ينتج عنه  عدوى  متنقلة والتهابات. مما يجب تكثيف الوعي في هذا الخصوص عند الفريق الطبي العامل فيها  منعا لانتقال الجراثيم من  مريض لاخر مع اهمية وجود في كل مستشفى فريق خاص لتدريب الجسم الطبي في كيفية الوقاية والحماية من الجراثيم المتنقلة وايضا كيفية  التعامل مع المرضى  للحد من العدوى من مريض لاخر. كل ذلك متوقف على اهمية التعليم والتثقيف  ضمن جهاز طبي متخصص ومراقبة  فاعلة قوية على المعدات  الطبية للتأكد من تعقيمها مع اجراء متواصل من الفحوصات الطبية  للطاقم الطبي  في المستشفى  والكشف المتواصل على  صحة تعقيم الادوات الطبية المستعملة فضلا عن التأكد ان غرفة المريض  معقمة خالية من الجراثيم  ضمن اتباع بروتوكول صحي معيّن .”

تعزيز المناعة في الوقاية

بما ان المناعة هي الاكثر تعرضا لاي اهتزاز عند اي اصابة في المرض، اوضح الاختصاصي في المناعة والامراض الداخلية الدكتور رامز عزام ل greenarea.info :” ان مقاومة المضادات الحيوية غدت اليوم مشكلة عالمية واجب اخذها في عين الاعتبار وذلك في تفادي عشوائية تناول المضادات الحيوية فليس كل مرض يحتاج الى مضاد الحيوي وعلى سبيل المثال فان اكثرية  التهابات الزلعوم سببها فيروسي وليس بكتري  مما لا يحتاج الامر الى اعطاء المضاد الحيوي الا في حالات محددة . انطلاقا من ذلك نشدد على ان لا تعطى المضادات الحيوية  دون وصفة طبية  كي  لا نقع في  مقاومة  البكتريا  تفاديا لاي  مضاعفات صحية على المريض  فضلا عن اهمية  المحافظة على النظافة في المستشفيات  كونها معقل  للجراثيم وهناك خوف من انتقالها من مريض الى اخر او  من المريض الى الجسم الطبي او بين افراد الجسم الطبي  انفسهم  لذلك اذا لم  يكن هناك وقاية  كغسل اليدين  وتعقيم  المعدات الطبية عندها نقع في مشكلة صحية  قد تؤثر مباشرة على المريض نفسه.”

التشديد على الوصفة الطبية

حول مدى تأثير عشوائية المضادات الحيوية على الاطفال شدد الاختصاصي في طب الاطفال  الدكتور ايلي  سالم عبر ال greenarea.info :” ان اي سوء استعمال المضادات  الحيوية  دون استشارة طبية سيولد حتما مقاومة من البكتريا تؤثرعلى مناعة الطفل  حيث تبين ان عدداً مهماً من الاطفال ضحايا لذلك مما لم يعد هناك مضاد حيوي فاعل لحالتهم المرضية خصوصا الذين يعانون من التهاب في البول والاذن والرئة. ونشدد اليوم اكثر من قبل على ضبط ذلك وانه على الاهل ان يعلموا ان عشوائية اعطاء المضادات الحيوية لاطفالهم سيؤثر  سلبا على صحتهم بمعنى ليس كل حرارة مرتفعة تستدعي تناول المضادات الحيوية  لان اذا كان  لدى الطفل حرارة  مرتفعة ومازال عنده شهية على الاكل عندها ليس  بحاجة لتناول المضاد الحيوي اما اذا استمرت الحرارة لاكثر من يومين فعلينا ان نلجا الى الفحوصات الطبية لمعرفة تشخيص حالة  الطفل المرضية قبل  وصفه المضاد الحيوي المناسب تفاديا لاي تداعيات صحية.”

التشديد على الاستعمال الرشيد

في المقلب الاخر اهم ما ركز عليه الاختصاصي في الامراض الجرثومية  الدكتور بيار ابي حنا  عبر ال greenarea.info: “ان مشكلة مقاومة المضادات الحيوية  عالمية مازالت مستمرة ولم تقف واذا ازدادت في لبنان  فنتيجة عشوائية تناول المضادات الحيوية  الذي يؤدي الى وجود عدة بكتيريا عندها مناعة لكل انواع المضادات الحيوية. حتى ان اكتشاف المضاد الحيوي الجديد لم يستطع ان يلحق بهذه الموجة خصوصا انه في بعض الاحيان تستعمل المضادات الحيوية  بصورة مكثفة للحيوانات والزراعة وايضا في المستشفيات  مما ينتج عنه مقاومة مناعية لذلك  مما نشدد على ان استعمال المضاد الحيوي يجب ان يكون  بطريقة رشيدة   خصوصا  ان  لا تأثير له  على الفيروسات  فالذي عنده حرارة  خفيفة وزكام بسيط  او وجع في الزلعوم  او حتى  اسهال  خفيف لا يجوز تناول المضاد الحيوي كون هذا الاخير يقتل البكتريا الجيدة و يضعف المناعة حيث ان  المضاد الحيوي له  دور اساسي في حال استعمل في المكان المناسب اما  اذا اسأنا  استعماله فسيؤدي  حتما الى خلق مناعة  مقاومة ضده .”

الى رأي الرئيسة للجمعية اللبنانية للأمراض المعدية والجرثومية الدكتورة مادونا مطر  التي ركزت على مخاطر الإفراط في استعمال المضادات الحيوية وسوء إستخدامها كما حثت على أهمية الإستخدام الحكيم لها  متوقفة على المبادرة التي تعرف ب Antimicrobial stewardship التي ستطبق على مستوى المستشفيات وتشكل خطوة أولى مهمة  تعمل عليه جميع أعضاء المنظمة لإطلاق برنامج الإستخدام الحكيم لمضادات الميكروبات في جميع مستشفيات لبنان.

الجدير ذكره أعدّت كل من وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية خطة وطنية للسيطرة على مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات وتحفيز الإستخدام الحكيم لها وهي توصي اليوم كل المستشفيات بإنشاء برنامج حول الإستخدام الحكيم لمضادات الميكروبات يكون معتمدا في كافة الأراضي اللبنانية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This