يبدو أن الفساد لا يني يضرب في كل اتجاه، خصوصا وأن واقع الحال يفضي إلى حقيقة صادمة أهمها أن الفساد إياه ليس حكرا على الإدارات الرسمية ومؤسسات الدولة فحسب، وتاليا، لوثة الفساد انتشرت وعمت لتطاول القطاع الخاص، ومن هنا يمكن مقاربة سائر أزماتنا، وعندها نتأكد أن وضع لبنان بات بحاجة لإجراءات جراحية، فالمسكنات ما عادت تجدي للنهوض بلبنان من واقع الفوضى إلى رحاب الدولة القوية القادرة، دولة القانون والمؤسسات، ودولة العدالة والمواطنة.
وفي سياق غير منفصل عن حال الفساد، وفيما كان من المفترض أن تبادر إدارة المستشفيات والمراكز الطبية في مدينة صور، ولا سيما تلك التابعة عقاريا لبلدة العباسية (قضاء صور) بإرسال نفاياتها الطبية الى مركز معالجة النفايات الطبية في العباسية، والذي تديره بلديتها لقاء مبلغ زهيد لا يتعدى الـ 80 سنتا عن كل كيلوغرام واحد، أو الى مركز آخر يعالجها بدلا من تهريبها الى المكبات، نفاجأ بأن بعض هذه المستشفيات المؤتمنة على صحة وحياة المواطنين قد باعت ضمائرها ووارتها بين النفايات الصلبة إلى أحد المكبات المتواجدة عند مدخل بلدة طير دبا الواقع ضمن النطاق العقاري للعباسية.
مطمر العباسية
جاءت المشاهد صادمة تمثلت في عرض صور لأعضاء بشرية وبقايا دماء وأمصال وأدوية وإبر وكل ما يخطر على بال من مستلزمات الاستشفاء والعمليات الجراحية، وأمام هذه المشاهد كان لا بد من تصاعد وتيرة الاحتجاجات والغضب لدى أهالي بلدة طير دبا المتضررين من المكب، خصوصا وان هذه البلدة تتحمل منذ سنوات عدة تبعات مكبات عدة عند مدخلها الغربي.
جاءت إحالة التفتيش المركزي لملف مطمر بلدة العباسية الى النيابة العامة التمييزية بعد الكشف الميداني الذي أجرته المفتشية العامة الصحية والاجتماعية والزراعية في التفتيش المركزي، وبعد متابعة موضوع مطمر النفايات في العباسية من قبل ناشطين في بلدة طير دبا، اعترضوا على المكبات العشوائية عند مدخل بلدتهم، فضلا عن تقرير أعده تلفزيون الـ MTV فضح فيه دخول النفايات الطبية الى المكب.
نفايات خطرة ومعدية
بعد الكشف، صدر التقرير المفصل بالوقائع والنتائج والمسؤوليات، وقد رفع لرئاسة التفتيش المركزي بعد أن تبين ان نوعية النفايات الطبية المرمية في المطمر تعتبر نفايات خطرة ومعدية سنداً لأحكام المادة 1 من المرسوم رقم 13389 تاريخ 19/9/2018 (تحديد انواع نفايات المؤسسات الصحية وكيفية تصريفها)، وان رمي تلك النفايات الطبية يعتبر “جرم تلويث البيئة ” بحسب نص المادة 9 والمادة 10 من القانون رقم 64 تاريخ 12/8/1988 (المحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة)، كما وان ارتكاب مثل هذا العمل الخطير وغير القانوني من شأن تماديه الحاق الضرر الفادح بالصحة العامة والبيئة.
وبالاستناد إلى هذا التقرير أحال رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية كامل ملف هذا المطمر الى النيابة العامة التمييزية لملاحقة المسؤولين عن هذه الافعال الجرمية، كما توجه بكتب ومقترحات الى كل من وزارة الصحة ووزارة البيئة ومحافظة الجنوب وبلدية العباسية لإتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة، كلٌ ضمن نطاق صلاحياته لإزالة معالم تلك الكارثة والحد من آثارها السلبية وتعميم الاجراءات التي ستتخذ للمعالجة ليصار وقائيا إلى منع تكرار هكذا امر.
عودة النفايات
لم تنته عند هذه الإحالة قضية المطمر، ولم يكن هناك متسع من الوقت لا لإزالة معالم تلك الكارثة ولا للحد من آثارها السلبية، وأيضا لا لتعميم الاجراءات الوقائية، وتكرر الأمر وعادت النفايات الطبية لتهرب الى المكب مع النفايات الصلبة التي تجمعها آليات بلدية العباسية، والمفارقة أن هذه المرة لم تأت الفضيحة عبر كشف الناشطين عن دخول نفايات طبية جديدة الى المكب، ولكن من فضح الامر هو نفسه المتعهد المسؤول عن المكب (ع. د)، فقام بتوثيق الصور والفيديوهات وأرسلها الى المعنيين والمعترضين على المكبات وفضح فيها تهريب النفايات الطبية مع النفايات الصلبة من قبل “مستشفى جبل عامل” الموجودة في نطاق العباسية العقاري.
تدبير أولي
من جهته، المتعهد المسؤول عن المكب (ع. د) أكد لـgreenarea.info وبالصور والفيديوهات بأن “مستشفى جبل عامل هو المسؤول عن تهريب النفايات الطبية الى المكب وأنها ليست المرة الأولى بالرغم من محاولات الانكار المستمرة من قبل المسؤولين في المستشفى”، لافتا إلى أنه “إزاء هذا الوضع ومنعا لتكراره كان قد اجتمع مع بلدية العباسية المسؤولة عن نقل النفايات الى المكب عبر آلياتها، وطلب عدم دخول أي آلية في حال عدم وجوده للمراقبة وقد اكدت البلدية واعضائها على ضرورة هذا الاجراء”.
وقال أنه خلال كشفه عن محتوى احدى النقليات “عثرت على كمية كبيرة من النفايات الطبية المهربة وهي لا تمثل 5 بالمئة من مجموع الصور التي عرضتها”، وقال: “قمت على الفور بالاتصال برئيس بلدية العباسية علي عز الدين ونائبه حسين جوني وقمت بناء على تعليماتهم بتقديم شكوى في فصيلة العباسية ضد مستشفى جبل عامل وفتح تحقيق في الملف”، وتابع: “علمت انه تم الاتصال بالمدعي العام وبأنه سيتخذ الاجراء اللازم وانه طالب بتدبير أولي نقل النفايات الى معمل معالجة النفايات الطبية الذي تديره بلدية العباسية”.
واكد المتعهد أيضا انه تواصل أيضا مع مسؤول وزارة الصحة في المنطقة الدكتور باسل غزال وأطلعه على كافة التفاصيل، وان اجتماعات عقدت بين البلدية والمسؤولين حتى منتصف الليل.