فيما يشكو العالم من تفاقم ظاهرة انتشار البلاستيك وتلوث البحار والمحيطات، وما لهذا الأمر من تبعات سلبية تطاول الكائنات البحرية، وتهدد البشر مع وصول البلاستيك إلى الطعام عبر السلسلة الغذائية، تستمر الجهود الدولية لمواجهة هذه الكارثة، لكن ماذا عن لبنان؟ وهل ثمة إجراءات للحد من تلوث البلاستيك؟
حيال ذلك، تبقى سلاحف البحر أكثر الضحايا، ما يفترض تبني إجراءات أولها إزالة النفايات البلاستيكية من أعماق البحر، فضلا عن إزالة أشراك وشبكات الصيد، لأنه ما عاد بالإمكان غض النظر عما هو قائم اليوم، خصوصا وأن المخاطر لا تقتصر على نفوق السلاحف وسائر الكائنات البحرية وتهديد الثروة السمكية، ولكنه بات نذير خطر يهدد الصحة، وسبق أن وثق greenarea.info وجود نفايات بلاستيكية في أحشاء الأسماك، ما يعتبر بمثابة ناقوس خطر.
كما انه في الفترة الأخيرة شهدنا وعيا متناميا جسده بعض الصيادين المسؤولين والذين يعون أهمية الكائنات البحرية ودور كل منها، وذلك عبر انقاذ العديد من هذه الكائنات ولا سيما منها السلاحف، وهذا الامر يبنى عليه لجهة تحمل المسؤولية، ولكن المطلوب اليوم اكثر خصوصا لجهة تعميم هذه المبادرات على جميع الصيادين وضرورة الامتناع عن ترك الشباك والأشراك في البحر كي لا يقع ضحيتها كائنات بحرية لا حاجة للصياد بها.
نفوق سلحفاتين
ولا نفاجأ وسط ما هو قائم على شواطئنا أن نشهد نفوقا أكثر لسلاحف البحر، وآخرها نفوق سلحفاتين في ميناء صور.
في التفاصيل بعد أن لاحظ عناصر مخابرات الجيش اللبناني وجود سلحفاتين بدتا طافيتين على سطح المياه بالقرب من مدخل ميناء الصيادين في مدينة صور، عمدوا إلى ابلاغ إدارة محمية شاطئ صور الطبيعية، وعلى الفور توجه إيلي مبيض عنصر شرطة بلدية صور إلى المكان المقصود، وقام بسحب السلحفاتين إلى داخل حرم الميناء لحين وصول الطاقم العلمي في المحمية للوقوف على سبب النفوق وإجراء اللازم.
بدر الدين
بدورنا في “جمعية Green Area الدولية” واكبنا الإجراءات ميدانيا، وبعد وصول الباحث في العلوم البحرية والايكولوجية الدكتور علي بدر الدين إلى الميناء قال لـ greenarea.info: “قمنا بسحب السلحفاتيين من المياه بالتعاون مع عناصر مخابرات الجيش اللبناني وشرطة المحمية ومعاينتهما، ومن ثم نقلهما إلى مركز المحمية للبدء بعملية التشريح”.
وأضاف: “تبين بادئ الأمر أنهما نفقتا نتيجة اختناقهما بخيوط الشرك (تستخدم في صيد الأسماك) بعد ان علقتا فيها بشكل عرضي”، وأكد بدر الدين أنهما “من نوع ضخمة الرأس (كاريتا كاريتا)، يتفاوت حجمهما، وهما ذكر وانثى، وتم أخذ قياساتهما”.
وذكر بدر الدين أنه قد “بدأ مع مطلع العام 2019 بالعمل على مشروع مراقبة السلاحف البحرية على طول الشاطئ اللبناني المدعوم من SPA/RAC ، بالتعاون مع وزارة البيئة ومحمية شاطئ صور الطبيعية ومحمية جزر النخيل، وقد وثق في مدينة صور تحديدا منذ بدء المشروع إلى اليوم نفوق خمس سلاحف وقمت بأخذ العينات اللازمة منها لدراسة نوع الغذاء الذي تستهدفه هذه الكائنات وما اذا كان هناك اثر للبلاستيك فيها”.
تجدر الإشارة إلى أنه أثناء عملية التشريح لم تكن ثمة رائحة مزعجة، وهنا أشار بدر الدين أن “مرد ذلك يعود إلى أنه لم يمر وقت طويل على النفوق”، وقال: “أرجح انه لم يمض يوم بعد على نفوقهما”.
بعد الانتهاء من تشريحه للسلحفاة الأنثى وأخذ العينات اللازمة، أشرف بدر الدين على عملية تشريح السلحفاة الذكر التي قامت بها المديرة التنفيذية في “جمعية Green Area الدولية” ضمن برنامج تدريبها على حماية السلاحف البحرية في لبنان والخارج.
دبوق
رئيس بلدية صور ورئيس محميتها المهندس حسن دبوق تابع الحادثة وابدى اهتمامه لجهة الوقوف على أسباب النفوق وضرورة المتابعة، مؤكدا حرصه على “حماية الكائنات البحرية والالتزام بالقوانين وخصوصا تطبيق قانون الصيد ومنع الصيد بالطرق غير المسموحة”.
مسيلب
من جهته،ا مديرة محمية صور الشاطئية الدكتورة ناهد مسيلب، قالت لـ greenarea.info: “بعد المعاينة تبين أن السلحفاتين قد علقتا ببعضهمها البعض بواسطة خيط شرك ما أدى إلى اختناقهما، وقد يبدو للناظر إليهما للوهلة الأولى انهما قد تعرضتا لقتل متعمد ولكن سرعان ما تبين لنا بعد انتشالهما من المياه أنهما علقتا بشكل عرضي بشرك الصيد، ما جعل الرواية الأكثر منطقية انهما حاولتا الإفلات من الشرك الا ان تخبطهما جعلهما تلتفان حول بعضهما البعض ما سبب نفوقهما اختناقا، ولم يمر أكثر من يوم على نفوقهما بحسب تقدير اخصائي العلوم البحرية الدكتور علي بدر الدين الذي كلفته محمية صور بالتشريح بهدف أخذ العينات لفحص النظام العذائي”.
وشددت مسيلب أنه “مع انتشار البلاستيك في البحر وما يمثله من تهديد لسائر الكائنات الحية أصبح من الضروري مراقبة حالات النفوق ودراستها عن كثب وذلك عبر العينات التي يتم أخذها”.
Green Area الدولية
وفي هذا السياق، أكدت “جمعية Green Area الدولية” أن السلاحف البحرية في لبنان تواجه انحساراً في مساحة الشواطىء التي تعتبر ملاذها ومحيطها الحيوي للتعشيش ووضع البيوض وتأمين سبل تكاثرها، لافتة إلى استمرار استباحة هذه الموائل لصالح مشاريع سكنية وسياحية تهدد بيئتها الطبيعية، دون أن ننسى أن شواطئنا تستباح اليوم في أكثر من منطقة لصالح مكبات النفايات الشاطئية واستمرار ردم البحر”.
واضافت: “خلال الأعوام الأخيرة شهد البحر اللبناني نفوق عشرات السلاحف، في ظاهرة بدا واضحاً أنها ناجمة عن عوامل عدة، منها انتشار النفايات البلاستيكية، فضلاً عن استخدام الديناميت، الاصطدام بالمراكب، القتل المتعمد والعرضي والاختناق بصنانير وشباك الصيد، دون إغفال أن ثمة أسبابا أخرى أيضاً، فيما لم نشهد إزاء هذه الظاهرة إلا بعضا من مبادرات يبنى عليها للعمل على حماية هذه الكائنات والكثير من الاستعراضات التي لا تثمن ولا تغني من جوع”.