هل بات لبنان مرتعا للفوضى واللامبالاة وتجاوز القوانين وتكريس منطق اللادولة؟ لا نتحدث بالضرورة عن كارثة الحرائق وتبعاتها البيئية والإقتصادية والإنسانية، فهذه أصبحت وراءنا، ولكن نقصد بالفوضى ممارسات فاضحة لما تزل تطاول محمياتنا الطبيعية المفترض أنها محمية بعلم وخبر على الأقل، لكن أن تكون مستباحة في ظل ما يشبه التعمية وغض الطرف، فذلك يستدعي إعادة نظر في منظومة القيم الأخلاقية قبل القوانين وآليات تطبيقها.
نتحدث هنا عن محمية شاطئ صور الطبيعية، أي عن هذا المدى الحيوي الرائع بين اليابسة والبحر، من الموج إلى الرمل، ومن رائحة الماء إلى عبق التاريخ وسط شواهد تعانق الجمال، وتفيض سحرا على بديع هذا المشهد الآسر، لكن يبدو أن ثمة من لا يرتاح بصره إلى هذا التناغم بين الطبيعة والتاريخ بين الجمال والجمال، فنراه يمعن في انتهاك حرمة التراب والبحر ويتطاول على السماء مطلقا أعيرة نارية صيدا لطيور ظنت أنها تحلق في فضاء القانون والدولة، فإذا بها تخر جالبة رائحة الموت والعبث والإهمال.
العبث البري!
ربما لن يصدقَ أحد أن المحمية مستباحة اليوم من قبل صيادين يمارسون “العبث البري”، ولا يقيمون اعتبارا لمنطقة صنفت موقعا استثنائيا للتنوع البيولوجي، شاطئا وبحرا ومدى حيويا على امتداد كيلومترات عدة، ولا يحترمون لقانون الصيد، ولا يراعون أن المحمية واقعة ضمن نطاق جغرافي محظور فيه الصيد أساسا وأي مظاهر مسلحة.
شكاوى عدة وردت إلينا في greenarea.info طالب أصحابها بوقف التعدي على المحمية، وأكدوا مشاهداتهم لصيادين يطلقون النار عل الطيور، وتحديدا في منطقة برك رأس العين التي تعتبر جزءا من المحمية، وثمة من تساءل: كيف يمكن أن يصل هؤلاء إلى هذه المنطقة الواقعة تحت أعين القوى الأمنية؟
الجيش اللبناني
تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن قيادة الجيش اللبناني دائما تحذر المواطنين بوجوب التقيد بقرارات منع الصيد، وعدم التجول بالأسلحة على أنواعها، لا سيما في منطقة جنوب الليطاني وحتى الحدود الدولية، تحت طائلة توقيف المخالفين وإحالتهم على القضاء المختص.
وكانت القيادة قد أصدرت بيانا قالت فيه: “يستمر بعض المواطنين بممارسة هواية الصيد البري في مختلف المناطق اللبنانية، ومن ضمنها منطقة جنوب الليطاني، مخالفا بذلك القرارات الصادرة عن السلطات المختصة في مَا يتعلق بمنع هذا النشاط، الأمر الذي يعرض المخالفين للملاحقة القانونية”.
وأشارت إلى أن خصوصية بقعة عمليات جنوب الليطاني، والتدابير التي اتخذها الجيش تنفيذا للقرار 1701، والقاضية بخلو المنطقة من أي وجود مسلح باستثناء القوى العسكرية والأمنية اللبنانية وقوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، تفرض التشدد في منع الصيد وبخاصة على مقربة من المراكز العسكرية وعلى امتداد الخط الأزرق.
حمزة
غير أن ثمة من لا يهتم ويبالي، وما ساقه المواطنون من مطالبات وشكاوى، أكده لـ greenarea.info نائب مدير المحمية المهندس حسن حمزة، فأشار إلى “اننا ناشدنا القوى الأمنية التحرك ولكن ليس ثمة تجاوب”، وأكد أن “هذا الأمر تترتب عليه تبعات بيئية خطيرة في نطاق المحمية”.
وطالب حمزة من “أعلى السلطات في الدولة التدخل السريع لقمع المخالفين، خصوصا وأنهم يظهرون بالعلن وفي ذلك إساءة معنوية للسلطة وهيبة الدولة فضلا عما يلحق الصيد من أذى يطاول النظم الإيكولوجية في المحمية”، وشدد على أن للمحمية قوانينها وحرمتها، ونضع هذا الأمر برسم سائر الجهات المعنية”.
جمعية غرين ايريا
وفي السياق عينه أكدت “جمعية غرين ايريا الدولية” على حماية هذه المنطقة، لافتة إل أن “محمية شاطئ صور الطبيعية تمثل أهمية ليس على مستوى الحياة البحرية فحسب، وإنما على مستوى الأراضي الرطبة في لبنان”، وأشارت إلى أن “المطلوب اليوم وبسرعة التحرك لقمع مخالفات الصيد البري”، ولفتت الجمعية إلى أن “الصيد شبه يومي في جوار برك رأس العين ولا يصعب على القوى الأمنية ملاحقة المعتدين”.
وختمت الجمعية مؤكدة “اننا نضع هذا الأمر بعهدة الوزارات والمؤسسات الرسمية المعنية ليكون أيضا بمثابة إخبار للنيابة العامة البيئية”.