كل الذين يعرفون التاريخ وحقيقة البيت الأبيض، لم يستغربوا ما أورده الصحافي الفرنسي “جون كلود موريس”، في كتابه المعنوَّن بــ”لو كررت ذلك على مسمعي فلن أُصدقه”، حين وصف كيف صُعِق الرئيس الفرنسي الأسبق “جاك شيراك”، في مطلع عام 2003، بعد أن أخبره “جورج بوش” الإبن، في أحد المكالمات الهاتفية، التي جرت بينهما على مدار عامين متواصلين (2002 و2003)، وبمعدل مرتين يومياً،  في محاولةٍ منه لحث فرنسا بالمشاركة في الحرب على العراق، قائلاً: ” إنَّ “يأجوج ومأجوج” مختبئان في الشرق الأوسط، قرب مدينة بابل العراقية القديمة، ويجب تدميرهما”، وأن حربه تلك مقدسة وبرعاية “العناية والإرادة الإلهية”.

يضيف “موريس”، يومها قال “شيراك”: “لم أصدق في حينها أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة، ويحمل هذه العقلية المتخلفة، ويؤمن بهذه الأفكار الكهنوتية المتعصبة، التي سيحرق بها الشرق الأوسط، ويدمر مهد الحضارات الإنسانية”.

 

فالوقائع أثبتت أنَّ كل من يسكن البيت الأبيض يُصاب بهذا النوع من الهوس الوثني أوبالتلوث الفكري العنصري، بدءاً من مؤسس الولايات المتحدة  الأميركية ” جورج واشنطن ” الذي أمر بتدمير 28 مدينة، من مدن هنود “السينيكا”  الثلاثين، مروراً بالرئيس جيفرسون، الذي أمر وزير دفاعه بقتل الهنود الحمر بالبلطة، وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم، وصولاً الى الرؤساء المسؤولين عن الفظائع في فيتنام، فالرئيسين “بوش” الأب (صاحب عاصفة الصحراء 1990)، و”بوش” الإبن، مروراً بــ”أوباما” الذي هدد بقصف دمشق، وليس انتهاءاً بالرئيس الحالي  “ترامب”،الذي خدم اسرائيل أكثر من كل رؤوساء الولايات المتحدة الأميركية مجتمعين.

 

حتى في تبنيّه للإنفصاليين من الأكراد الذين قاتلوا الدولة السورية وجيشها، وضع مصلحة “إسرائيل”، قبل أي إعتبار، فسمح لناهبي النفط السوري في المناطق التي يسيطر عليها “قسد” ببيعه بشكل غير شرعي (90 في المائة من النفط الى اسرائيل)، وهذا ما يفسر وضع الرئيس “ترامب”شرطاً أساسياً يوم أعلن عن نيته سحب قواته من سوريا( اشترط  ضمان عدم مهاجمة حلفائه الأكراد).

 

محبته للأكراد، التي جاءت إنطلاقاً من مصلحته في تشغيلهم، كأفخاخ صيدٍ لقادة “داعش”(لعلمهم بتضاريس المنطقة وخبرتهم في القتال)، استمرت الى أن زجَّ في سجون “قسد” حوالي 2000 من أعتى الجهاديين في العالم، بينهم خمسون من أخطر قادة “داعش” الإرهابيين، البعض منهم لديهم أسراراً تُرعبه وتشكل خطراً على مستقبل  دولة الكيان الصهيوني.

 

انتهت محبة “ترامب” للكرد، بأن أعطى الضوء الأخضر للتركي ليغزو الشمال السوري، لكن دون أن ينتهي التبني، فقد حمَّل مسؤولية حماية ذلك  الصيد الوفير، من قادة الإرهابيين، في سجون “قسد” للتركي،  بقوله: “ستكون تركيا مسؤولة بعد الآن عن إرهابيي “داعش” الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة في المنطقة”!!!

 

كما انتهى الوِّد بين الطرفين، بتنَصُل “ترامب” من مواجهة التركي (أو السوري) في غزوة “نبع السلام”، تاركاً الكردي أمام خيارين أحلاهما مُر، فإما أن يعود ذليلاً الى حضن الدولة السورية، أو أن يبتلعه الوحش السلجوقي، وفي الحالتين هناك خدمة للكيان الصهيوني، ففي عودة الكردي وخمود بركان “قسد” الإنفصالي، سيبقى الجمر(الكردي) تحت الرماد (السوري)، وهذه ورقة يستخدمها العدو الإسرائيلي لضمان عدم الإستقرار في الشمال السوري، أما في حال ابتلعهم الغول  “إردوغان” مع أحلامهم، فإنه سوف يسيطر على كل الثروات التي في أراضيهم، وسيتقاسمها مع الضباع  الإسرائيلية.

 

عاد الكردي الى كنف الدولة السورية وشرَّع الأبواب أمام دبابات الجيش السوري، حتى وصلت الى الحدود التركية، لكن الأتراك مازالوا يتكلمون عن منطقة آمنة خالية من أي كردي،  بطول 444كم وعمق 32 كم،  تشمل حقول نفطٍ وغاز طبيعيين، وأراضٍ زراعيةٍ غناء، وثروات حيوانية ومائية هائلة، فهل انسحب الأميركي مجاناً؟.

الإجابة، تُستشفُ من حركة الأميركي الإستعمارية في المنطقة، بأن وعوداً  قطعها “إردوغان” سراً، على نفسه أمام  “ترامب”، تقضي أن يسلمه أو يتقاسم معه جعبة الأسرار التي يُخفيها الإرهابيين الأسرى لدى “قسد”، إضافة الى إعطائه حصة الأسد من غنائم المنطقة الآمنة دون أن يتدخل على الأرض، والذي سيذهب بشكلٍ سَلِس الى الكيان الصهيوني.

 

كما يُستشف أنه بينما تُنسق  “أنقرة” مع “واشنطن”، لقضم أراضٍ سوريةٍ ونهبها، يشتغل الروسي بهدوء على عدة محاور، تصب كلها في بوتقة تحرير الأراضي السورية وتحريرها، وإعادة إعمار البلاد، متجاهلاً أحلام “إردوغان” الساذجة، وعنجهية “ترامب” الذي كثرت مؤخراً حوادث فلتان الأمور لديه(بعد أن شتم بيلوسي)..فالقيصر الروسي يعمل (سورياً) على مبدأ  “عقل بارد وقلب حار” قائلاً “من يضحك في الآخر يضحك أكثر”.

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This