شهدت أعداد الحشرات تماماً كغيرها من الكائنات الحية والنباتات تراجعا كبيرا في جميع أنحاء العالم بسبب استخدام مبيدات الآفات وعوامل أخرى، وهو ما يتوقع أن يكون له تأثير كارثي على كوكب الأرض.
الا ان غياب الحشرات أو انقراضها يشكّل طورة كبيرة على التنوع البيولوجي اولاً وعلى الحياة البيئية الحيوانية والبشؤية ثانياً.
فوفق دراسة حديثة نشرت الأسبوع الماضي في مجلة “بيولوجيكال كونزرفيشن”، فإن أكثر من 40% من أنواع الحشرات يمكن أن تنقرض في العقود القليلة المقبلة.
وتعد الدراسة الحالية خلاصة جميع الدراسات الاستقصائية الطويلة التي أجريت على الحشرات ونشرت خلال الأربعين سنة الماضية.
واستندت الدراسة إلى 73 دراسة تناول معظمها البيئة الطبيعية في أوروبا والولايات المتحدة، في حين أشار الباحثون في دراستهم الحالية إلى دراسة واحدة ذات صلة بالبرازيل وأخرى من جنوب أفريقيا.
تدمير النظام البيئي
ووجد الباحثون من جامعتي “سيدني” و”كوينزلاند” الأستراليتين وأكاديمية الصين للعلوم الزراعية، أن الكتلة الحيوية للحشرات آخذة في الانخفاض بمعدل كبير يبلغ 2.5% سنويا، وهو معدل يهدد هذه الأنواع بالانقراض على نطاق واسع خلال قرابة قرن من الزمن، وهو ما ينذر بدمار واسع في النظام البيئي.
وتعد الدراسة الحالية أول دراسة عالمية حقيقية لقضية تهديد الحشرات بالانقراض، ففي حين كان التركيز في الماضي على انخفاض معدلات التنوع البيولوجي للحيوانات الفقارية، شددت هذه الدراسة على أهمية حياة الحشرات للنظم البيئية المترابطة والسلسلة الغذائية، وفق تصريح قائد فريق البحث فرانسوا سانشيز بايو من كلية علوم الحياة والبيئة في جامعة سيدني، للجزيرة نت.
وستكون تداعيات انقراض الحشرات كارثية على أقل تقدير، إذ إنها هي القاعدة الهيكلية والوظيفية لكثير من النظم البيئية في العالم منذ نشأتها قبل أربعمئة مليون سنة تقريبا.
وكمثال على ما نحن سائرون إليه، أشارت دراسة سابقة إلى أن تجمعات الحشرات الطائرة في المحميات الطبيعية الألمانية انخفضت بأكثر من 75% على مدى فترة دراسة مدتها 27 عاما، مما يعني أن موت الحشرات يحدث أيضا حتى خارج المناطق المتأثرة بالنشاط البشري.
أسباب التدهور
وقد أرجعت الدراسة أسباب التدهور في أعداد الحشرات عالميا إلى فقد الكثير من الملاجئ الطبيعية لها، في ظل التوجه إلى الزراعة الكثيفة وتحويل مساحات واسعة من الغابات والمستنقعات إلى أراض زراعية.
كما يعد التحضر وقطع الغابات بغرض إقامة مناطق سكنية لاستيعاب الزيادة المضطردة في أعداد السكان عالميا، من أهم أسباب فقد مواطن الحشرات خاصة في الدول النامية.
ومن العوامل المهددة للتنوع البيولوجي للحشرات أيضا، التلوث خاصة الناجم عن المبيدات الحشرية والأسمدة وانبعاثات المصانع والمدن، كما تلعب الطفيليات والأمراض أيضا دورا في ذلك.
فعلى سبيل المثال، يسهم انتشار “الفاروا المدمرة” (طفيلي يصيب النحل) في انخفاض نحل العسل.
وبالطبع لا يمكن تجاهل دور تغير المناخ، إذ قد يكون للحشرات في المناطق المدارية قدرة ضعيفة على تحمل الحرارة، وقد تعاني بالفعل من تراجع أعدادها نتيجة الاحترار العالمي.
ويقول سانشيز بايو “بما أن الحشرات تشكل أكثر مجموعات الحيوانات وفرة وتنوعا في العالم، وتوفر خدمات حيوية داخل النظم البيئية، فإن مثل هذه الأحداث لا يمكن تجاهلها ويجب أن تدفع إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لتجنب انهيار كارثي للنظم البيئية الطبيعية”.
ويقترح الباحث إجراء تعديلات على الأساليب الزراعية القائمة، وخفض استخدام مبيدات الآفات واستبدالها بممارسات أكثر استدامة قائمة على أساس بيئي.