في ظل الثورة الحاصلة والإعتصامات التي تحمل مطالب الناس، قد تبقى المواضيع البيئية، للأسف، من الامور الأقل أهميّة نسبة لحجم الإنتفاضة التي تغطي لبنان من مختلف أقطاره.
ورغم أحقية المطالب، وبعيداً من الشعارات المطروحة، فإن الاعتماد على حرق الدواليب لإقفال الطرقات قد يكون الوسيلة المتاحة الأكثر فعالية، إلا أن بيئتنا وهواءنا فعلاً لا يتحملان المزيد من التلوّث ولا المزيد من الأمراض السرطانية.
ففي مقال سابق للخبير البيئي الدكتورناجي قديح، تحدث عن أن دخان حرق الدواليب تحتوي على انبعاثات عالية السمية للصحة البشرية، وذات خطورة أعلى لدى الأمهات الحوامل والرضع والأطفال وكبار السن والمرضى… تحتوي على جزيئات صلبة، نسبة كبيرة منها تخترق الجهاز التنفسي حتى عمق الرئتين، وتتراكم في الحويصلات الهوائية، وتنتقل إلى الدورة الدموية…كما تحتوي على انبعاثات ذات تأثير سمي – طفري عالي جدا Mutagenic effect، يسبب الطفرات في التركيبة الوراثية للخلايا، أي تخريب جيني يتطور إلى تأثير مسرطن، مثل البنزين Benzene، والبوتاديين Butadiene، والبنزوبيرين Benzopyrene… كما تحتوي على غازات سامة وعالية الضرر على الصحة مثل أول أوكسيد الكربون الخانق CO، وثنائي أكسيد الكبريت SO2 ، وأكاسيد النيتروجين NOx ، ومركبات عضوية طيارة عالية السمية VOCs… و تحتوي على ملوثات سامة للهواء Hazardous Air Pollutants HAPs، من ضمنها مركبات عطرية متعددة الحلقات، مثل الديوكسينات Dioxins والفوراناتFurans وهي المركبات الكيميائية الأعلى سمية على الإطلاق، حيث أن تأثيراتها المسرطنة ترتبط بالتعرض لتراكيز متناهية الصغر من قياس بيكوغرام Pico gram، وحمض الكلورهيدريك، والبنزين ومركبات متعددة الكلور ثنائية الفنيل PCBs، والمعادن الثقيلة عالية السمية، مثل الزرنيخ والكادميوم والنيكل والزنك والزئبق والكروم والفاناديوم.
وبالتالي فإن التعرض لهذه التشكيلة القاتلة من الملوثات عالية السمية، من شأنه أن يعرِّض الناس لتأثيرات حادة (قصيرة المدى) ومزمنة (طويلة المدى)، ومخاطر صحية متنوعة مثل، تحرش في الجلد والعيون والأغشية المخاطية، وتأثيرات تنفسية، وتأثيرات تثبط الجهاز العصبي المركزي….ومختلف أنواع الأمراض السرطانية…
في المقابل، فإن الصورة الأقرب إلى قلب كل مواطن وصحته، هو منظر تنظيف الساحات قبل وبعد كل تجمّع ، فضلاً عن تطوّع المواطنين لفرز النفايات بشكل حضاري والمبادرة لتعليم الأطفال المتواجدين في أماكن الإعتصام .
بعيداً من المشهدية العامة لمطالب المعتصمين وشعاراتهم، ودخان الدواليب المشتعلة إن انتشار ثقافة التربية البيئية أمر جديد يشكّل ايجابية في تعاطي الناس مع الشأن البيئي ويدلّ على انتشار الوعي في هذا المجال، الأمر الذي يفتح باباً للتفاؤل بمستقبل صحي أفضل لأولادنا !!