قامت معظم ثورات العالم ، لتحسين واقع إقتصادي وإجتماعي رديء، والخلاص من خلل في العلاقات الإقتصادية-الإجتماعية، بغية بناء مجتمع راقٍ متطور في كافة مجالات الحياة، وتحقيق الأمن والآمان، بالإضافة الى معادلة الأمن الغذائي ،حيث يستطيع الجميع الحصول على سلة غذائية غنية وكافية وبشكل متساوٍ.
اليوم وعلى الرغم من أنّ الأرض تُنتج من الغذاء، ما يكفي لإطعام البشرية جمعاء، إلا أنَّ تقديرات “منظمة الأغذية والزراعةFAO ” تقول أن هناك حوالي مليار إنسان حول العالم، يعانون من نقص التغذية، أي ما يُعادل واحدًا من كل تسعة أشخاص، الغالبية العظمى منهم يعيشون في بلدان نامية.
كما كشفت التقديرات أن 66 مليون طفل من أطفال العالم النامي، ممن هم في المرحلة الإبتدائية، يذهبون إلى مدارسهم يوميًّا وهم جَوعى.
بينما يصيب فقر التغذية سنوياً، أكثر من ثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة، في حين يعاني حوالي 150 مليون طفل دون سن الخامسة من نقص التغذية المزمن.
صحيح أن تحقيق الأمن الغذائي الكامل، يحتاج الى حلول جذرية وخطط ومشاريع تدفع المجتمع بالعام الى التنمية المستدامة في كافة مجالات الحياة، وذلك قد يحتاج الى قرارات سياسية واقتصادية، كما أنه مُرتبط بالدرجة الأولى بالموارد المتاحة وقدرتها على تأمين الإحتياجات، ووجود منشآت لمعالجة الأغذية، والبنية التحتية الضرورية، والخدمات اللوجستية، وتسخير أجيال من التكنولوجيا، لخدمة الإنتاج الغذائي(البيوت البلاستيكية، الزراعة الرأسية) .
ولكن وفي ظل كل تلك التحديات، نحن في لبنان نتساءل: ما العمل؟؟؟
وقفت حكومات لبنان وما تزال تقف مكتوفة الأيدي، لدرجة وصل فيها أمننا الغذائي الى شفير الهاوية!!!
وقفت حكوماتنا، مكتوفة الأيدي، في ظل التجاذبات السياسية، بين أمراء الطوائف، حيث لم نضع أية خطط لتطوير القطاع الزراعي الهش، ولم تنه وزارة الزراعة عن استخدام المخصبات والكيماويات المركبة صناعياً.
حكومات لبنان المتوالية، لم تعتمد التنويع في الزراعات، بل أمعنت في الإعتماد على “الزراعة الأحادية” (زراعة محصول واحد وإنتاجه وتنميته في مساحة واسعة من الأرض، أو لسنوات متتالية)..فأنهكت بذلك أول وأهم مقومات الأمن الغذائي(التربة الزراعية).
كذلك دمَّر الساسة من أصحاب المصانع والكسارات وبناة أهرامات النفايات، المُقوم الثاني للأمن الغذائي، المُتمثل بالموارد المائيّة ، مساهمين الى حدٍ كبير في تلويثها بشكلٍ فظيع، فباتت مصدراً للكثير من للأوبئة والأمراض، حتى وصلت الى غذاءالمواطن اللبناني (بما في ذلك مياه الشرب).
وكنتيجة حتمية لسياسات الحكومات المركزية، فقد هاجرت اليد العاملة اللبنانية، سواء من الريف الى المدن الكبيرة، أو حتى الى خارج البلاد، فاختفى أو ضعف بذلك المقوم الثالث للأمن الغذائي(اليد العاملة اللبنانية -الموارد البشريّة) (يعتمد القطاع الزراعي في لبنان على الأيدي العاملة الأجنبية، وبخاصة المهجرين السوريين).
كما لم يعر المسؤولون أية أهمية للزراعات العضوية، الأغزر إنتاجيةً والأكثر أماناً لصحة الإنسان. ولم يعملوا على ترشيد استخدام الطاقة، ولاحتى اعتمدوا على الطاقة البديلة، النظيفة.
عملت حكومات لبنان السابقة والحالية على وضع، قوانين وأنظمة استنسابية، لا تضمن بأي شكل من الأشكال، حماية المراعي، الغابات والثروة الحيوانية، وكل عناصر الطبيعة الأم ، من مقومات الأمن الغذائي الهامة.
بانتظار أن يخطف الحراك الذي يضج اليوم شوارع لبنان من شماله الى جنوبه، بيضة القبان في ما يخص الأمن الغذائي للمواطن اللبناني، سيبقى تحقيق أمننا الغذائي…مجرد حلم ثوري.