يعتمد العالم بشكر كبير على التقارير التي ترصد المخاطر المحدقة في العالم مع بداية كل عام، وفي حين أن الإقتصاد هو لولب الحياة في مختلف أصقاع العالم، إلا أن للبيئة الحي الأكبر هذا العام في تقرير يحدد أكثر التداعيات المحتملة. فإن الكوارث البيئية التي سيطرت على الدول في السنوات الأخيرة قد تكون المحفّز الأساس لأي معيار لتحديد المخاطر، وبالتالي قد تكون حرائق غابات الأمازون واستراليا المحفّز الاول لدق ناقوس الخطر في المجال البيئي، إضافة الى الأعاصير التي أغرقت الولايات المتحدة العام الماضي.
في هذا الإطار، يقدم تقرير المخاطر العالمية للألفية الجديدة ، الذي يعدّه منتجع دافوس في سويسرا، صورة قاتمة للأوضاع في العالم ويدق نواقيس الخطر حيال قضايا كثيرة، من ضمنها قضايا البيئة.
هذه المرة الأولى التي تتعلق فيها المخاطر الخمسة الأولى للعقد المقبل بقضايا المناخ والبيئة، من تقلبات الطقس الحادة إلى فقدان التنوع البيولوجي والحوادث، مثل تسرب النفط والتلوث الإشعاعي. وقد جاء ذلك في الوقت الذي أشار فيه فريق يضم أكثر من 750 من خبيرا وصانع قرار شملتهم الدراسة، إلى أن الحروب التجارية وصعود التيارات القومية في أنحاء العالم، يزيد الصعاب أمام البلدان للعمل معا على إيجاد حلول.
في التفاصيل، فإن فقدان الطبيعة هو حالة طوارئ كوكبية بحيث لقد قضت الإنسانية بالفعل على 83٪ من الثدييات البرية ونصف جميع النباتات، وغيّرت بشكل كبير ثلاثة أرباع الأراضي الخالية من الجليد وثلثي البيئات البحرية. فضلاً عن أن هناك مليون صنف حيواني ونباتي معرض لخطر الانقراض في العقود القادمة بمعدل يتراوح بين عشرات ومئات المرات أعلى من المتوسط على مدى السنوات العشر الماضية.
نظرا لهذه المخاطر، يصنّف التقرير فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام الإيكولوجي كأحد أكبر خمسة تهديدات ستواجهها البشرية في السنوات العشر القادمة.
فإن التغيّر المناخي أصعب وأقوى بكثير مما توقع الكثيرون. وقد سجّلت السنوات الخمس الماضية أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، فيما ازدادت الكوارث الطبيعية بالعدد وبالشدةً، وشهد العام الماضي ظواهر طقس متطرّفة للغاية لم يسبق لها مثيل حول العالم.
ومن المثير للقلق بحسب التقرير، أن درجات الحرارة العالمية سترتفع ثلاثة درجات مئوية على أقل تقدير مع نهاية القرن الحالي، وهو ضعف ما حذّر منه خبراء المناخ بوصفه الحد الأقصى لتفادي أشد وأعنف العواقب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. تضاف تأثيرات التغير المناخي على المدى القريب إلى حالة الطوارئ التي ستسود العالم والتي ستترتب عنها خسائر في الأرواح وتوترات اجتماعية وجيوسياسية وآثار اقتصادية سلبية.
للمرة الاولى منذ إطلاق الدراسة المسحية التابعة لتقرير المخاطر العالمية والتي يجريها المنتدى الاقتصادي العالمي، تهيمن المخاوف البيئية على المخاطر الرئيسية على المدى الطويل من ناحية احتمالية الحدوث، على إجابات الأعضاء التي شملتهم الدراسة وهم من أصحاب المصالح المتعددة. فثلاثة من أكبر خمسة مخاطر من حيث التأثير هي أيضًا مخاطر بيئية . وبحسب الدراسة، يعد “الفشل في التخفيف من التغير المناخي والتكيف معه” الخطر الأول من حيث التأثير والثاني في احتمالية الحدوث على مدى السنوات العشر المقبلة.
ويُظهر أعضاء مجتمع مشكلوا العالم التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، مزيداً من المخاوف، ويصنفون القضايا البيئية كأهم المخاطر على المدى القصير والطويل.ويرى الأفراد الذين شملتهم الدراسة أن معدّل فقدان التنوع البيولوجي هو ثاني المخاطر تأثيراً والثالث من ناحية احتمالية الحدوث خلال العقد المقبل. فمعدّل الانقراض الحالي أعلى بعشرات المئات من المرات من المتوسط خلال العشرة ملايين سنة الماضية، وهو في ازدياد مستمرّ. إن لفقدان التنوع البيولوجي آثار حساسة وخطيرة على البشرية جمعاء، فهو يعني انهيار الأنظمة الغذائية والصحية، وتعطيل وحدوث اضطرابات في سلسلة الإمداد بأكملها.
لا يمكن للعالم أن يقف متفرّجَا في هذا المجال، ورغم التحديات الاقتصادية الصعبة، إلا أن صدور التحذير من مخاطر بيئية عبر منتدى اقتصادي عالمي، يدعو بشكل اساسي الى التفكير الجدي في كيفية تدارك الامور وتحديد الأهداف التي تحول دون الوصول لمواجهة هذه التحديات التي تنعكس بشكل كبير على استمرارية حياة البشر!