تعاني البيئة في معظم دول العالم من التلوّث، هذا التلوّث يتفاوت من دولة إلى أخرى، حسب السياسات والقوانين والأنظمة المفروضة لحمايتها.
كذلك البحار تعاني بمعظمها من مشاكل بيئية، غير أنّ طبيعة الصراع على المتوسط، لا سيما في أجزائه الشرقية، حولته إلى ساحة معركة .
إستناداً إلى تقرير صدر حديثاً عن مجموعة الأطلسي الشهرية، فإن مياه المتوسط هي من بين الأكثر تأثراً بتغيُّر المناخ العالمي، إذ ترتفع حرارتها بمعدلات متسارعة تصل حالياً إلى 0.12 درجة مئوية في السنة. كما تعتبر شواطئ المتوسط من أكثر مناطق العالم تأثراً بإرتفاع البحار، لأن معظم النشاطات الصناعية والسياحية في دول الحوض تتركز في الأراضي الساحلية المنخفضة.
وتتفاقم المشاكل في البحر المتوسط نتيجة صغر حجمه، إذ تمثل مساحته أقل من 1 في المائة من مجمل مساحة البحار في العالم. في حين أنّه يختنق بما يعادل 7 في المائة، من كمية المواد البلاستيكية الدقيقة التي تغص بها المحيطات. وفي هذا السياق، يقدر تقرير صدر سنة 2015 ، عن خطة عمل البحر المتوسط، التي يديرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن كمية النفايات البلاستيكية التي ترمى فيه تتجاوز 730 طناً يومياً، حيث تمثل ست دول فقط هي تركيا ،إسبانيا ،إيطاليا ،مصر ،فرنسا والجزائر مصدراً لثلاثة أرباع هذه الكمية.
كما يُستخدم المتوسط كمصب لجميع أنواع المنصرفات الملوّثة، إبتداءً بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، مروراً بالمياه العادمة الصناعية، وإنتهاءً بالمنسكبات النفطية. إذ أشعلت الإكتشافات الغازية والنفطية في قاع المتوسط، تسابقاً محموماً للظفر بثرواته البحرية، بين عمالقة الطاقة في العالم. ويفتقر الكثير من هذا النشاط إلى دراسات دقيقة للأثر البيئي، إذ إن دول المنطقة تتسابق على تحقيق أرباح سريعة لدعم إقتصاداتها.
كذلك يخشى دعاة حماية التنوّع الحيوي، أن تؤدي فوضى الناقلات والحفارات ومنصات التنقيب إلى ما لا يحمد عقباه. والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي مطلع 2019 جرفت الأمواج عشرات السلاحف النافقة، على طول سواحل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتقد باحثون أن هذا الحادث مرتبط بتفجيرات إستكشافية تحت الماء.
وفيما لا تزال فرص الصدام ضئيلة، تبقى التجاذبات والمصالح السياسية، كافية لتجميد التعاون العابر للحدود، بهدف حماية البحر المتوسط. ومن الواضح أن الإدارة الإقليمية السيئة، لهذا المورد الطبيعي والتداخلات السياسية والاقتصادية، تفرض واقعاً قد لا يكون على المدى البعيد، في صالح جميع الفرقاء.
في الجهة المقابلة، هناك العديد من الخيارات لإنقاذ البحر المتوسط من خلال العديد من الخطوات، تبدأ أولاً بتعزيز التعاون بين بلدانه، بإعتبار حماية بيئته هماً مشتركاً، يجب تحييده عن الخصومات. ولكن يبدو هذا الخيار بعيداً عن الواقع، حيث تنفق الدول المتوسطية، على السلاح أضعافاً مضاعفة، فيما تبقى ميزانيات حماية البيئة أمراً شكلياً. وقد يكون ذلك نتيجة المشهد على الشواطئ الشرقية للمتوسط، الذي يخطف الأنفاس بجماله في كثير من الأماكن، ولذلك قلما يدرك أحد حجم الكارثة، التي تحتضنها الأعماق. ولكن مع تغيُّر المناخ والنمو السكاني المطرد، ستطفو المشاكل إلى السطح، على شكل عواصف أكثر عنفاً خلال وقت لا يمكن التنبؤ به.
أخيراً وبعيداً عن النفط والغاز، قد تكون المكاسب الإقتصادية من البحر المتوسط ، هي أفضل حافز لحمايته. فعلى شواطئه التي يجتمع عليها 200 مليون سائح كل عام، لن يكون من المقبول مشاهدة أكوام القمامة، ومعاينة الطفح الجلدي الناجم عن المياه الملوّثة وأسراب قناديل البحر.
وفي هذه المنطقة الهشة إقتصادياً، لن تتمكن الحكومات من غض النظر طويلاً، عن الضربات الموجعة التي يتلقاها أحد أهم مصادر مواردها المالي.