سباق مع الوقت يعيشه العالم اليوم ومعه لبنان بسبب انتشار فيروس “كورونا” – كوفيد 19 في كل البلدان وبنسب متفاوتة، وإذ يحاول العلماء بجهد التوصّل إلى دواء أو لقاح محدّد، يبدو أن الأمور في لبنان تتّجه إلى الأسوأ، ليس بسبب تحوّل الفيروس إلى وباء عالمي فقط، بل لأن الإستهتار بضرورة الوقاية هو أكبر عدوّ للمرض!
لطالما عرف اللبناني بخفة دمه وتحويل المصائب الى مادة دسمة لطرح النكات وتركيب الأفلام الفكاهية، ورغم أن هذه الميزة قد تزرع البسمة والفرح لمواجهة المرض بأمل أكبر، إلا أن الحقيقة تكمن في أن الوباء لم يعد بعيداً عنّا، يتطلّب أكثر من نكتة وتمنّي، فالمطلوب خطوات إجرائية وقائية محددة لمنع الإصابة عنّا وعن كل محبينا وأهلنا.
أخبار متعددة انتشرت في الفترة الأخيرة، وأهمها تظهر كيفية انتشار الفيروس لعدد محدّد من الأشخاص لأن المريض الأوّل احتال على قرار الدولة اللبنانية منع السفر من الدول الموبوءة، فعاد الى لبنان من طريق آخر، مستهتراً بالحجر الصحي الإلزامي وناقلا العدوى لأولاده وأطفال آخرين وبالتالي لأهالي آخرين بسبب مشاركته بنشاطات اجتماعية متعددة!!
قد يكون هذا الأمر أكبر دليل على أن الإستهتار هو العدوّ الأوّل لأيّ وقاية، وبالتالي فإن المسؤولية لا تقتصر على شخص دون آخر، وفي حين أن على الدولة اللبنانية مسؤولية ضبط الوافدين من بلاد موبوءة وفرض الحجر الصحي عليهم، فإن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق كل إنسان تجاه نفسه وتجاه عائلته، والغرامة المالية أو السجن قد يكون عقابا جيّداً لكل مستهتر بارشادات وزارة الصحة من جهة وبصحته وصحة المحيطين به من جهة أخرى.
لم يكن بإمكان الصين اليوم خفض نسبة الإصابات لولا عزل مناطق موبوءة وأهمها ووهان بؤرة انتشار الفيروس منذ 50 يوماً فضلاً عن قدراتها الطبية والتقنية التي ساهمت في شفاء الكثيرين والحد من انتشار المرض بشكل أكبر. فضلاً عن اهمية اقفال الحدود ووقف الرحلات الجوية من وإلى البلدان الموبوءة، تماماً كما فعل الكثير من البلدان الأخرى العربية والأوروبية.
إيطاليا عزلت مناطق في ميلانو بشكل كامل تماماً كالسعودية التي اعلنت عن حجر الزامي لمنطقة القطيف بسكانها أجمعين، فضلاً عن إصدار قرارات صارمة بكل من لا يلتزم إرشادات الحكومة!!
وأعلنت السلطات الصحية الكورية الجنوبية فرض غرامة مالية تقدر بنحو 8 آلاف دولار، في حالة عدم الإدلاء بأي معلومات عن الإصابة أو التردد على أماكن مصابة بفيروس كورونا، وقرر مجلس الوزراء البحريني أنه في حالة عدم الالتزام بالحجر المنزلي وشروطه ستطبق أقصى العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحة العامة رقم (34) لسنة 2018 والتي تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 1000 دينار ولا تجاوز 10 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين. اما التلفزيون السعودي فقد أشار إلى ان المملكة قررت فرض غرامة تصل إلى نصف مليون ريال (133 ألف دولار) على من لا يفصح عن بياناته الصحية عند منافذ دخول البلاد.
بلاد متعددة اتخذت قرارات صارمة للحد من التهرّب من الحجر المنزلي الإلزامي وبالتالي الحد من انتشار الفيروس بين المحيطين من المصاب أو المحتمل إصابته، كما تم توقيف كل الأنشطة البشرية في ولايات متعددة لدرء مخاطر هذا الفيروس.
في لبنان، ورغم قيام الوزارات المعنية بما وسعها للتصدي لانتشار هذا الفيروس إلا أن التقصير يتحمّل مسؤوليته الجميع، دولة وشعباً، فلماذا حتى اليوم لم يتم اقفال الحدود البرية وحتى الرحلات الجوية من مختلف البلدان؟ تم وقف المدارس والجامعات والحضانات نعم، ولكن المجمّعات السياحية والترفيهية لا تزال عاملة ولا محاسبة لمرتاديها أبداً وأكبر دليل على ذلك صور اللبنانيين على حلبات التزلّج وفي مواقع النزهات اليومية والحدائق العامة. ماذا عن قرار وزارة السياحة الحد من نشاطات الملاهي الليلية والسينما وغيرها وترك المطاعم ومقاهي النرجيلة على سجيّتها مع وقف البرامج الموسيقية وكأن الفيروس ينتقل عبر الموسيقى!!
ماذا عن الأشغال والموظفين في مختلف القطاعات؟ كيف لهم أن يحموا عائلتهم وأنفسهم من خطر “الكورونا” وتنقّلهم بين مراكز أشغالهم ومخالطة أشخاص لا يدركون من يخالطون في منازلهم أو على الطرقات وما سبل الوقاية التي يتّبعونها؟
مهما دارت الأمور ووسائل الوقاية تبقى ناقصة في ظل قرارات ملتبسة من قبل المسؤولين ووعي غائب لدى الشعب اللبناني فضلاً عن الإستهتار الواضح في التعامل مع “وباء” قد لا يكون قاتلاً لكّنه بالتأكيد خطير!!
للدولة نقول أعلنوا حالة الطوارىء، فأرقام الإصابات إلى ارتفاع والتوقعات تنذر بالأسوأ، ولبنان بلد منكوب اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وصحياً وبالتالي فإن إمكاناته محدودة في استيعاب أعداد كبيرة من المصابين بالفيروس. ماذا ينتظر المسؤولون كي يعلنوا حالة الطوارىء وممن يحذرون؟ كل البلاد الموبوءة اعتمدت حالة الطوارىء وأقفلت مدناً بكاملها حماية لمواطنيها، ماذا سيخسر لبنان ؟ أقفل البلد في أول أيام الإنتفاضة الشعبية لأسابيع، وكانت الخسارة الإقتصادية كبيرة لكن يمكن تعويضها في حين أن تلك البشرية غير قابلة للتعويض!!
أما للمواطنين فنقول، رجاء اتّبعوا سبل الوقاية اللازمة، لا تستبعدوا وصول الفيروس اليكم وإلى أطفالكم ومحبيكم، تجنّبوا الأماكن المكتظة والمختلطة، الزموا بيوتكم ولا تخرجوا إلا للضرورة، إحموا أنفسكم بنفسكم إلى أن تحمينا دولتنا .. ففي النهاية لا ينفع الندم!!