من بين الفرضيات التي يعمل عليها الخبراء اليوم، إمكانية نقل هذا الفيروس من المرأة الحامل إلى جنينها؟ وما هي مخاطر إصابة الأم بالكورونا؟
في متابعة للمستجدات والأحداث التي سُجلت في الصين وغيرها، يبدو واضحاً أن لكل طفل حديث الولادة خصوصيته، ولا يمكن التعميم في مسألة نقل العدوى من عدمها. فكما هناك أطفال وُلدوا بنتائج سلبية من أمهات يحملن الفيروس، هناك البعض الآخر الذين ولدوا يحملون الكورونا.
في أحد المستشفيات بمدينة هاربين بشمال شرق الصين، وبينما كانت والدتها تواجه معركة مع فيروس كورونا المصابة به، وُلدت طفلتها بعد إجراء ولادة قيصرية في 3 شباط يإشراف أطباء التوليد والجهاز التنفسيّ والأطفال حديثي الولادة. وبالرغم من إصابة الأم بفيروس كورونا، إلا أنّ المفاجأة كانت بعدم إصابة الطفلة بالفيروس بعد صدور النتائج المخبرية التي تؤكد خلوها منه. ووفق ما ذكرت صحيفة “تشاينا ديلي” الصينية، وُلدت الطفلة الخميس، وهي تزن نحو 3.5 كيلوغرامات، وتتمتّع بصحة جيدة. وبعد أيام من الحجر الصحي والمراقبة الطبية، فإنّ صحة الأم كما الرضيعة جيدة ومستقرة. إنّ “نتائج الاختبارين اللذين أجريا للطفلة التي ولدت بعد 38 أسبوعاً من الحمل، كشفا عدم وجود فيروس كورونا لديها، والذي أدّى حتى الآن الى وفاة أكثر من 360 شخصاً في الصين”.
في مقلب آخر، تم تشخيص إصابة كورونا لدى طفل صيني بعد 30 ساعة على ولادته، واعتُبر بحسب ما ورد في موقع “بي بي سي” أصغر مصاب بفيروس كورونا حتى اليوم. وكان الطفل قد ولد بتاريخ 2 شباط 2020 في “ووهان” المدينة التي منها انطلق الفيروس. ولم تعرف حتى الآن الطريقة التي انتقل فيها الفيروس إلى الطفل، أي ما إذا كان قد التقطه في الرحم أو بعد الولادة. إذ يشير الأطباء إلى أنّه يمكن أن يكون التقط الفيروس في الرحم، كما يمكن أن يكون قد أصيب بعد الولادة نتيجة سعال الأم وانتقال العدوى إليه.
فكيف يشرح الطب هذا الإختلاف بين طفل وآخر؟ وما هي المخاطر والمضاعفات الناتجة من إصابة المرأة الحامل بكورونا؟
يشرح الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد والصحة الجنسية الدكتور فيصل القاق لـ”النهار” أنه كما بات معلوماً أن “فيروس كورونا المستجد أو ما يٌعرف بـ SARS-CoV-2 ويُسبب مرض الــcovid-19 هو فيروس سريع الانتشار ويتسبب بتأثيرات صحية واقتصادية واجتماعية شديدة، ويتمتع بقدرة العدوى بنسبة 2.2 من المرجح ان تسبب انتشار واسع على مستوى العالم. بالرغم من ان غالبية العوارض تكون عادية، هناك نحو 14% من الإصابات تحتاج للاستشفاء و5% للعناية الفائقة. تختلف درجات الإصابة والعوارض باختلاف الفئات العمرية والشرائح المجتمعية، لذلك مهمتنا اليوم أن نرفع الصوت وننشر الوعي حول أهمية الوقاية والإلتزام بالأرشادات الصحية والعزل المنزل لكل الأشخاص، والتركيز على فئة خاصة من بينها، الحوامل وحديثي الولادة”.
وفق القاق “ما زالت الأدلة محدودة في مسألة التعرض والإصابة عند الحامل والجنين، وتظهر الدراسة التي نُشرت حديثاً في مجلة “لانسيت” على عينة صغيرة من اقليم ووهان في الصين، عدم وجود انتقال العدوى عامودياً من الحامل المصابة إلى الجنين او المولود، كما لم يكن هناك انتقال للفيروس عن طريق حليب الام خلال الإرضاع.
بالإستناد إلى الأوبئة السابقة بالمقارنة، ومنها الأنفلونزا الإسبانية 1918، والانفلونزا الأسيوية 1957-1958، أو بالـH1N1 أو حتى الإصابات بڤيروسات شبيهة كالسارس(SARS) والميرس (MERS)، تشير الدراسات إلى أن الحمل لا يشكل سبباً لزيادة مخاطر الإصابة، وغالباً ما تتراوح العوارض السريرية من خفيفة وبسيطة الى عوارض شديدة وأكثر حدية استدعت إدخال الحوامل إلى أقسام الأمراض التنفسية وإلى غرف العناية الفائقة. كما سجلت وفيات للأمهات بأعداد قليلة.
إذاً، كان التأثير واضحاً من ناحية الأعراض التي كانت أشد على الحوامل، لكن حتى الآن بالنسبة إلى فيروس كورونا، الاعتقاد هو أن الحامل غير معرضة أكثر من غيرها. وتختلف الآراء في هذه النقطة تحديداً، فهناك من يرى احتمال أن تكون الأعراض مختلفة من ناحية شدتها على الحامل، ويعود السبب إلى التغيرات الهرمونية والمناعية والتي تجعلها أكثر عرضة من غيرها سواء بالعوارض أو من خطر الإصابة”.
برأي القاق: “نحتاج إلى المزيد من الوقت لتأكيد هذه الفرضية من عدمها، كما أن وزارة الصحة في صدد التركيز على مسألة الفيروس والحوامل كجزء من خطة الإستجابة الوطنية للكورونا. يأتي ذلك من مسؤولينا لتطمين الحوامل وعائلاتهنّ والعمل على إجراءات الوقاية اللازمة وتقيد الحامل بالارشادات الصحية. كما يشمل ذلك استنفار الزميلات والزملاء في الطب النسائي ومدّهم بما يلزم من ارشادات طبية للتعامل بدقة متناهية بموضوع الحوامل في حال الشك بإصابتهن، وفي حال الضرورة اجراء الحجر في المستشفى للحامل وإطلاع الأقسام الطبية الأخرى مثل قسم الالتهابات وضبط العدوى لمعرفة كيفية التعامل مع هذه الحالة”.
في قراءة لأعداد المصابين في لبنان، يبدو واضحاً معدل الارتفاع في عدد الإصابات والحالات المشتبه فيها التي تخضع إما لحجر في المستشفى أو في المنزل. وهذه الأعداد بحسب علم الأوبئة قابلة للارتفاع. يترافق ذلك مع نظرة إلى معدل الحمل في لبنان مما يدعونا الى التعامل مع احتمال اصابات مشتبه بها عند الحوامل، وبما أن الحمل يأخذ طابعاً خاصاً في الاجراءات الوقائية في الظروف العادية نشدد على أهمية زيادة الاحتياطات من باب التوعية والارشاد وكيفية العناية بهذه الحالات في حال ثبت اصابتها بالفيروس. ((آلية واضحة حول أين يجب ان تضع الحوامل في المستشفى وكيفية التعامل مع هذه الحالات الخاصة وغيرها يجري العمل عليها من خلال لجنة متخصصة في وزارة الصحة …)
ويشدد القاق على أهمية “عدم القلق لمجرد أننا حوامل، ولكن هناك كلام جدي وعلمي أن الأعراض لدى الحامل، وان تشابهت مع سائر الإصابات (حرارة سعال) لكنها قد تكون أكثر حدة وتستوجب الاستشفاء ودائماً حسب مرحلة الحمل. وهذا ما يتطلب الحذر والانتباه في مسالة الحماية، وأن تشرح الحامل عن تاريخها الصحي، والتعرض للمخاطر وتارئخ السفر، بالإضافة إلى الأعراض، وهي من الأمور التي تحدد الحجر المنزلي من الحجر الصحي في المستشفى. يرتب ذلك أعباءً اضافية على الحامل والجنين، واستناداً إلى أحد الدراسات أنه من المضاعفات الناتجة عن اصابة الحامل أنها تؤدي الى الولادة المبكرة أو مضاعفات صحية للحامل تضطر على أثرها الدخول الى العناية الفائقة ووضعها على أجهزة التنفس الاصطناعي”.
يختم القاق مشيراً إلى أن “الحمل بحدّ ذاته يؤدي الى تغييرات فيزيولوجية متعددة، ما يجعل أعراض الإصابة بالكورونا أشد عليها. وتركز كل القراءات والأبحاث الطبية على أهمية المحافظة على النمط الصحي من خلال نظام تغذية سليم والابتعاد عن كل العوامل والمحيط الذي قد يُعرضها للعدوى على اختلافها، خصوصا التباعد الاجتماعي حتى داخل المنزل في حال وجود عوارض او شكوك بالإصابة عند أحداً من أفراد الاسرة، والتمتع بأسلوب حياة صحي جسديًا ونفسيًا قدر الإمكان في هذا الوضع الدقيق. كما وننصح الحامل بالتواصل مع مقدم الرعاية حول اَي عوارض او شكوك محتملة”.
ألنهار