عزا خبراء الأوبئة، الإنتشار السريع لفايروس “كورونا” (كوفيد – 19)، في إيطاليا وإسبانيا، الى عدم إلتزام السكان بتعليمات الحجر المنزلي، ودعوا الى تطبيق القوانين الصارمة، لفرض الحجر على كل أمم الأرض.

غير أنَّ الحكومة السويدية، خالفت هذا التوجه، ولم تحجُر على شعبها، فلم تتوقف المدارس،الحانات، المقاهي ووسائل النقل ولو لعشر دقائق، واتبعت لمواجهة الوباء سياسةً خاصةً، انتقدها الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، مرتين في أقل من اسبوع، قائلاً: “لو أننا اتبعنا سياسة مثل سياسة السويد في مكافحة فيروس كورونا لكان لدينا الآن مليوني قتيل”.

وأثارت سياسة الحكومة السويدية، التي اتخذت اسلوب النصائح والإرشادات، بعكس غيرها من الحكومات، التي فرضت على شعوبها مختلف العقوبات، استغراب كل شعوب الأرض، فما هي هذه السياسة وعلى ماذا ترتكز؟.

أثبتت سياسة السويد في مواجهة الوباء، أنها لم تأت عن عبث، وأنها تستحق الثناء.

بدايةً: كونها لم تسمح بأن يكون الوباء، مصدر رزق لتجار الأزمات، فقامت بعدة إجراءات ضمنت عدم استغلال هؤلاء لعامة الشعب، كتفعيل  تطبيق الكتروني يوفر خدمة تسليم الغذاء مجاناً لكل المنازل، وبالأخص منازل المتقاعدين، فحالت بذلك من هجوم البشر على الأسواق، كما حصل في بلاد العم سام.

ثم لأن الحكومة ضخت  المليارات في صندوق البطالة، كي لا تسمح لأرباب العمل بطرد العمال أو فصلهم، أو تخفيض ساعات العمل وتعديل  الرواتب، على عكس ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية !!.

كما أنها سارعت الى إنشاء شركة للتعلم الإلكتروني، وموَّلت دورات تدريبية، في مجال التمريض والمساعدات الطبية، لمن توقفت أعمالهم (عمال الفنادق وشركات الطيران وغيرهم)، وذلك لمساعدة لفرق العمل في المستشفيات.

وفي السياق ذاته، قام عمال شركة “سكانيا” لتصنيع السيارات، بمساعدة الشركات الطبية، بهدف انتاج كمياتٍ أكبر من أجهزة التنفس الصناعي.

 

ولم تأت سياسة السويد تلك من فراغ، فقد استندت الحكومة في ذلك، الى أنَّ لديها واحدة من أفضل نظم الرعاية الصحية الشاملة في العالم، والى مستوى الرفاهية التي يعيشها سكان البلد، واهتمامهم الكبير في القيام بكل ما يقوي نظامهم المناعي.

 

فالحكومة هناك وضعت خططها بثقة كبيرة،  لعلمها أن الفئة الأكثر تعرضاً للإصابة، محمية جيداً، فالحكومة  منعت من أعمارهم فوق السبعين عاماً، فقط، من الخروج من منازلهم، كونها تصرف عليهم مليارات الدولارات في صناديق الدعم المتنوعة، لدرجة أنَّ دور المسنين أكثر القطاعات التي توفر فرص العمل، أضف الى كل ذلك فالمجتمع المدني أظهر تعاضداً كبيراً حيث تشكلت فرق شبابية، تطوعية لخدمة المسنين.

سياسة السويد في مواجهة “كورونا”، سمحت لباقي الشعب أن يعيش حياته بشكلٍ طبيعي،  باستثناء حرمانهم من التجمعات في  أكثر من خمسين شخص معاً، والإكتفاء بالإبتعاد عن بعضهم مسافة متر.

من المؤكد أنَّ هذه الإجراءات  لم تأت من فراغ، فالحكومة تعلم تمام العلم، أنَّ مواطنيها  أصلاً ملتزمين بمفهوم “التباعد الإجتماعي”، ويعود ذلك الى عدة أسباب منها:

أولاً: كونهم يعيشون حياتهم منفصلين متباعدين، فغالبية المنازل في البلاد، لايعيش فيها أكثر من شخص أو إثنان، على عكس المنازل التي يعيش فيها أجيال متعددة في دول البحر الأبيض المتوسط، كما أنّ من ثقافتهم الحياتية عدم التقارب الجسدي.

ثانياً: يتميَّز الشعب السويدي بأنه ليس اجتماعي، مقارنة بشعوب بلدان البحر المتوسط(الطليان والإسبانيون)، فهم قليلو الإختلاط، اعتادوا على  العمل والبقاء في منازلهم.

ثالثاً: تلجأ حوالي 90 في المائة من الشركات الكبرى في السويد، منذ ما قبل الوباء، على تشجيع العمل عن بعد، عبر الشبكة العنكبوتية،  وعليه نجد أن ثلثيْ الشعب السويدي يعملون من منازلهم.

صحيح أن التجربة السويدية لم تنجح، في القضاء على كورونا نهائياً، إلا أنها تجربة مميزة وتستحق الوقوف عندها، تعتمد على وعي الشعب، وقوة مناعته الآتية، كنتيجة حتمية لمستوى دخل الفرد المرتفع.

تجربة سياسية لمكافحة الوباء، مبنية على أساس إقتصادي متين، فالسويد بلد رأسمالي يعيش أهله نِعَم العدالة الإجتماعية…فهل تتعظ حكومات العالم؟؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This