قد لا يتخيّل الإنسان نفسه يعيش في القرن الواحد والعشرين ويباغته وباء يحيّر علماء العالم ويحصد ضحايا بالملايين!! وإن كان الموت مبرّراً في القدم بسبب قلّة المعرفة أو عدم وجود الإمكانيات الطبية المتوفّرة في عصرنا هذا، فإن الغباء المتواجد حالياً لدى البعض والتعامل باستلشاء مع وباء قاتل، أمر لم يتواجد حتماً على أيام أجدادنا لا بل يهدّد  كل التقنيات والإمكانيات الطبية الجديدة وينسفها بشكل كبير.

على مرّ التاريخ حصدت مختلف الأوبئة التي اجتاحت العالم  أرواح عشرات بل مئات الملايين من البشر وتسببت في تغيرات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية في العالم بأسره، ورغم هذه الخسائر، الا ان تعاطي الحكماء في حينها مع أزمة الأوبئة اقتصرت بشكل أساسي، إما على عزل المصابين وعزل المناطق التي يتفشى بها المرض أو قطع التواصل معها.

في الحالتين، انتشر المرض لكن تم حصر عدد الخسائر البشرية  قدر المستطاع، فكيف واجه أجدادنا الأوبئة وكيف يواجهون زعماء اليوم وباء كورونا؟

طاعون عمواس الذي تعامل معه عمر بن الخطاب مع الوباء أمر خلاله بعزل المنطقة وعدم دخول وخروج أي مصاب منها، وهو ما يعده البعض أول الطرق العملية لتطبيق أسلوب الحجر الصحي وعزل المناطق الموبوءة منعاً لتفشي المرض وهي الطريقة التي اتبعتها الصين فور اكتشاف تفشي فيروس كورونا في مدينة ووهان والذي بدأ لبنان باعتماده بالتعاون مع بلدية  منطقة بشري التي تم عزلها بسبب اكتشاف عدد حالات مرتفع فيها.

بالأنتقال إلى مرض الجدري الذي حصد نحو 300 مليون إلى 500 مليون شخص، فقد ابتكر العثمانيون طريقة لتحصين انفسهم، إضافة الى العزل الصحي، من خلال  أخذ بعض المواد المعدية من جلد الشخص المصاب بالجدري ووضعها في خدوش سطحية بذراع الشخص المراد تحصينه. وقد اعتمدت هذه الطريقة في أوروبا بعد فترة من الرفض. ثم انتشرت هذه الطريقة في العالم كله. وفي عام 1796 استخدم الطبيب الفرنسي “إدوارد جينر” جدري البقر لتحصين الأشخاص ضد الجدري، مما ساعد في تشكيل مناعة داخل الجسم. ومهد الطريق أمام الأبحاث والدراسات لاكتشاف لقاح ضد الجدري مما أدى إلى انخفاض كبير بالتدريج في حالات الإصابة.

وهذا الموضوع قيد نقاش اليوم والأبحاث مكثّفة في فرنسا مع نخبة من الأطباء للكشف على إمكانية حقن الشخص المصاب ببلاسما من دماء المريض الذي شفي بانتظار تحقيق النتائج المرجوّة.

عام 2009، واجه العالم جائحة إنفلونزا الخنازير بطرق الوقاية نفسها التي يجري الحديث عنها اليوم للوقاية من فيروس كورونا المستجد، مثل العزل والتباعد الاجتماعي وما إلى ذلك. ولاحقاً صُنع لقاح للمرض وأُعلن عن احتوائه.

الكوليرا، السارس وغيرها من الأوبئة التي ضربت العالم، كلها تم التعامل معها عن طريق عزل المصابين وعزل المناطق التي يتفشى بها المرض أو قطع التواصل معها. وبالتالي فإن تعامل العالم اليوم مع وباء كورونا بالطريقة نفسها هو الحل الأمثل للحد من الخسائر البشرية التي قد تنتج عن هذا المرض.

ورغم أن الصين اعتمدت هذا المبدأ، فإن بريطانيا تأّخرت في اتخاذ التدابير اللازمة تماماً كأميركا التي تتبوّأ اليوم لائحة البلدان الموبوءة، ناهيك عن أوروبا وخصوصاً ايطاليا وفرنسا اللتان سجلتا أعلى نسبة وفيات، وايران التي تأخرت هي الاخرى باتباع النظم العالمية المتّبعة.

أميركا التي تتلهى اليوم برمي الاتهامات يمينا وشمالاً فضلاً عن فرض أجندات من وجهة نظر سياسية على هذا البلد وذاك، تتخبّط في ما بين ولاياتها بين حكام هذه الولايات وبين رئيسها دونالد ترامب الذي يحارب الوباء سياسياً ويرمي مسؤولية الإهمال على غيره وأكبر دليل على ذلك اتهامه منظمة الصحة العالمية بسوء الإدارة ووقف التمويل عنها!!

من جهتنا، يحاول لبنان بجهد حكومته ووزير الصحة اللبناني حمد حسن مواجهة الوباء بحكمة وبخطوات مدروسة من جهة، وتجهيز المستشفيات الحكومية والخاصة لتكون على اهبة الإستعداد للأسوأ.

بين أسلوب أجدادنا في محاربة الأوبئة، والأساليب المعتمدة اليوم بدءا بالصين، مروراً بإيران وأميركا وأوروبا ووصولاً الى الدول العربية ومنها لبنان، فإن الحرب مستمرة وفي النهاية  الرابح الأكبر لن يكون لا السياسة ولا الإقتصاد بل البشرية، والحسابات الانتابية لن تكون مفيدة في ظل فناء البشرية، فهل من يتّعظ؟

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This