منذ انطلاق العمل في سد بسري والتجاذبات مستمرة بين الدولة من جهة والناشطين البيئيين والمجتمع المدني من جهة أرى..

لطالما اعتبرت المنظمات البيئية أن بسري هي محمية طبيعية ورفضت  قطع الأشجار ودثر الآثار .. فضلاً عن أن “المجلة الأكاديمية العالمية Engineering Geology، المختصة بمجال الهندسة الجيوتقنية، نشرت دراسة حديثة للباحث اللبناني الدكتور طوني نمر حول المخاطر الزلزالية لسد بسري”. وخلصت الدراسة إلى أن “البحيرة والمياه المزمع تجميعها خلف سد بسري سوف تغطي فالقا زلزاليا نشطا هو فالق بسري المرتبط بفالق روم، مع وجود إمكانية هائلة لحركة الفالق تحت محور السد، وتمييع الأرض حول أسس السد، وحدوث انزلاقات وانخسافات بالقرب من موقع السد، والتأثير المباشر على تحفيز حركة باطن الأرض وحصول زلازل على نظام فوالق دقيق، ما يمكن أن يؤدي الى حدوث زلزال كبير يؤثر على لبنان بأسره”.

في المقابل، أكّد مجلس الإنماء والإعمار في أكثر من مرة أن مشروع سد بسري لن يهجر السكان بل سيؤمن لهم مشاريع وفرص عمل ، مشيراً الى أن “كمية المياه التي سيرفد بها السد كافية” وتفوق المخزون المطلوب “بحسب بيانات المتساقطات وقياس كميات التصريف في نهر بسري للأعوام الـ 40 الاخيرة”، موضحا أن “معظم الطبقات في البحيرة هي طبقات ضابطة للمياه”. وشرح أن كلفة المتر المكعب “لن تتخطى 400 ليرة من ضمنها كلفة التكرير”، وليست 6000 ليرة. ولم ير المجلس “نشوء اية عناصر بيئية جديدة تستدعي تحديث دراسة الاثر البيئي”.  وطمأن المجلس إلى أن المشروع لن يتسبب “بتهجير السكان”، إذ أن “لا وجود فعليا ضمن موقع المشروع لخدمات بنى تحتية او منشآت سكنية يقتضي ازالتها واعادة اسكان اهلها، فيما الواقع ان مساحة المشروع تمتد على خراج عدد من القرى ضمن الوادي غير المأهول، لا بل على العكس فان هذا المشروع سوف يصبح مركز استقطاب سياحي واستثماري وسيؤمن فرص عمل كثيرة وفي نواحي عدة، ان خلال فترة انشائه او بعد انجازه لاحقا وعلى المدى الطويل”.  وعن المخاوف من أن الأرض رملية قابلة للانزلاق والإنجرافات، أوضح المجلس أن “الدراسات واستقصاءات المسح الجيولوجي والنيوتكتوني للبحيرة ومنحدراتها اثبتت أن جوانب السد هي من الصخور الرملية ومن الصخور الكلسية الثابتة في موقعها”.

في إطار الردّ، فإن خبراء البيئة يصرّون على أن انشاء السد يولّد مشاكل بيئية كارثية، وأهمها أنه يقضي على التنوّع البيولوجي الفريد في منطقة تُعتبر ثاني أهم استراحة للطيور المهاجرة في لبنان. ويساهم السد في تغيّر المناخ بفعل قطع مئات آلاف الأشجار التي تمتصّ سنوياً حوالي 20 مليون كيلوغرام من الكربون. كما أنّ تبخّر ستّة ملايين ونصف متر مكعّب من مياه البحيرة الإصطناعيّة سنوياً يساهم بازدياد الرطوبة، وبالتالي بانتشار الأمراض الفطريّة بين الأشجار الحرجيّة والمثمرة وبتهديد صحّة السكّان المحليّين.

كما يهدّد السد عشرات المواقع الأثريّة التي تعود لفترات تاريخيّة متنوّعة (فينيقيّة، رومانيّة، بيزنطيّة، مملوكيّة وعثمانيّة)، أهمّها المعبد الروماني المدفون تحت الأرض، بالاضافة إلى دير القديسة صوفيا الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع ميلادي وكنيسة مار موسى الحبشي.

اضافة الى ذلك فأن الخبراء يعتبرون أن مرج بسري هو السهل الزراعي الوحيد في جبل لبنان، ويتميّز بخصائص مختلفة عن سهل البقاع والسهول الساحليّة. تزدهر فيه عشرات المشاريع الزارعيّة التي يقدّر مردودها بعشرات ملايين الدولارات سنويّاً.

وأخيرا وليس آخرا فإن مشروع سد بسري يخالف القرار رقم 131/1 القاضي بتصنيف مجرى نهر الأوّلي من المواقع الطبيعيّة والمادة 4 من قانون حماية البيئة رقم 444 واتفاقية باريس بشأن التغيّر المناخي وأهداف التنمية المستدامة 2030.

بين هذه النظرية وتلك الأخرى لا يزال المد والجزر مستمرا  ومنذ يوم  الثلاثاء، تدفّقت أخبار عن نقاش جدي واجتماعات في البنك الدولي، أحد الممولين الرئيسين للسد، انتهت إلى تجميد دفع الأموال لصالح تنفيذ سد بسري، واستعداد البنك لتحويل القرض لأهداف أخرى من بينها مكافحة الفقر في لبنان، بناء على طلب الحكومة اللبنانية.

وأصدر البنك الدولي بياناً حول مشروع زيادة امدادات المياه في لبنان “مشروع سد بسري” أوضح فيه  إلى أنه “نظراً للمعارضة التي شهدها المشروع، طلب البنك الدولي من الحكومة اللبنانية إطلاق حوار عام وشفاف لمعالجة الاعتراضات التي أثارها حوله المواطنون ومؤسسات من المجتمع المدني. وقد أعلنت الحكومة في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستبدأ هذا الحوار قريبا. يرحب البنك الدولي بقرار الحكومة ويتطلع إلى إطلاق وتنفيذ هذا الحوار بنجاح وإلى الخلاصات التي ستنتج عنه. إن الحوار العام هو السبيل الوحيد لصون شراكة متينة بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات التمويلية”. واعتبر البنك الدولي أنّ “لبنان يواجه حالياً، كغيره من البلدان في العالم، أزمة لم يسبق لها مثيل بسبب تفشي فيروس كورونا COVID-19. وتأتي هذه الأزمة لتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعانى منها البلد منذ فترة. غالبا ما تنطوي أزمات من هذا النوع على تغيير في الأولويات الوطنية في ضوء الاحتياجات الناشئة. لقد أعلن البنك الدولي مؤخراُ على الصعيد العالمي استعداده لمساعدة البلدان على إعادة تخصيص الموارد المتاحة لها لأولويات ناشئة أكثر إلحاحا وحدة”.

وأضاف: “وفي هذا الصدد، وافق البنك الدولي مؤخرا على إعادة تخصيص ما مجموعه 45.5 مليون دولار أميركي ضمن مشروعين في لبنان هما مشروع تعزيز النظام الصحي (40 مليون دولار أمريكي) ومشروع دعم الابتكار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة (5.5 مليون دولار أميركي) وذلك في سبيل تعزيز قدرة وزارة الصحة العامة على اختبار ومعالجة حالات COVID-19 المشتبه فيها، وتقديم دعم فوري للشركات اللبنانية أو مراكز البحوث لإنتاج الإمدادات والمعدات والخدمات الطبية اللازمة لمكافحة COVID-19”.

وعليه، صارت الكرة اليوم في ملعب الحكومة اللبنانية .. فهل تنجح السياسة أم الحقيقة؟

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This