هو زمن الأرقام من دون منازع، فسعر الدولار يحدّد قيمة أجورنا الشهرية ويدهورنا في قائمة خط الفقر، ورقم المصابين بفيروس كورونا يحدّد مصير بلد لم تكن تنقصه الأمراض كي يصبح في قعر الهاوية! وبعد أن كان لبنان من أول 15 بلدا استطاعوا التغلّب على الفيروس، ها أن”الوباء” ينتقم منّا ويظهر قوة انتشاره في ما بيننا بسبب “الغباء”.
نعم إنه غباء بعض اللبنانيين وقلة وعيهم التي ساهمت في عودة انتشار الفيروس بشكل مفاجىء ومخيف بعد ان كانت الحياة بدأت تعود تدريجيا الى طبيتعها ولو بحذر شديد!
الحكومة مجتمعة هي التي اتخذت قرار العودة التدريجية ووضعت آلية تحقيقها تحت طائلة المسؤولية، الشخصية في المرحلة الاولى والحكومية في المرحلة الثانية. ولكن الواضح ان غياب المسؤولية الشخصية قد يطيح بكل تضحيات الشهرين الأخيرين ويضاعف تداعياتها وخسائرها الإقتصادية والإجتماعية والتربوية والنفسية…
قد يلقي البعض اللوم على مجلس الوزراء الذي قد يكون استعجل في قرار فتح البلد، ولكن الواقع الإقتصادي للشعب اللبناني يحتّم تنظيم العودة لضمان لقمة العيش، ففي ظل ارتفاع اسعار الدولار باتت العالم متخوّفة من الموت جوعاً وليس بسبب الكورونا.
في المقلب الآخر، فإن الحماية او الوقاية الشخصية لا يمكن ان تضمنها القوى الامنية او الحكومة ولا اي وزير او صاحب منصب، وبالتالي فإن الوعي هو أمر ذاتي يتحكّم بمصير الإنسان، وغيابه قد يؤدي الى كارثة خصوصاً في ظل غياب الحس بالمسؤولية.
اضافة الى ذلك، فإن واجبات الشخص الالتزام بمقررات الحكومة لضمان النتيجة الفضلى، وبالتالي فإن تقاعس الوافد في منطقة الجديدة – القيطع في قضاء عكار في تطبيق قرار الحجر سبّب كارثة في مجال مكافحة كورونا وضرب بجهود اللبنانيين المقيمين عرض الحائط وكأنه الآمر والناهي وصاحب القرار. لم يلتزم بقرار الحجر الازامي 14 يوماً فاستقبل المهنئين بعودته- الذين هم ايضاً خالفوا قرار التعبئة العامة وبالتالي متّهمون بقلة المسؤولية والوعي وبتسببهم بالنتشار الاخير للفيروس- ونقل العدوى لأشخاص من منطقته ولـ 13 شخصاً من المحكمة العسكرية في بيروت بسبب مخالطة أب أحد العساكر للوافد المذكور.
وفي عملية حسابية بسيطة، انتقل الفيروس من عكار الى بيروت بلمحة بصر ومن دون مقدّمات بسبب استهتار الوافد من جهة وزائريه من جهة أخرى. فوقعت الواقعة وعاد التخوّف من العودة الى نقطة الصفر، الأمر الذي عبّر عنه وزير الصحة بتغريداته المتعددة منتظرا “أرقام” الإصابات في اليومين المقبلين ليبني على الشيء مقتضاه محذراً من إمكانية المطالبة مجددا بإقفال البلد وخوض المعركة من جديد!
في الإطار نفسه، فإن الاستهتار يتنقل من منطقة الى اخرى، فأين الضوابط في محلات بيع الالبسة واين الالتزام في المطاعم؟ اين المسؤولية الشخصية وماذا عن رقابة الجهات الحكومية المعنية؟ فقط أظهرت فيديوهات وصور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مهزلة التجمعات والاراغيل في المطاعم والمنازل وان كانت زحمة السير على الطرقات هي الدليل الأكبر على عدم الالتزام وخصوصاً في قضيًة المفرد والمجوز فالعودة الى التعبئة العامة قد يكون امراً لا مفرّ منه في ظل غياب الوعي وحس المسؤولية خصوصاً وأن الجهل هو المرض الحقيقي في لبنان قبل الكورونا.
واذا كانت مخالطة مصاب واحد اظهرت نتيجة فحصه الاولية عدم اصابته، أدّت الى ارتفاع كبير بالأرقام، كيف سيكون الحال مع عودة المدارس والحياة الى طبيعتها؟