في ظل كل ما يشهده لبنان من أزمات سياسية واقتصادية ، افتقر هذا العام الى صخب الحفلات والمهرجانات الصيفية التي تغني السياحة وتعطي الصورة الحقيقية عن لبنان وحبه اللبنانيين للحياة.
الصورة القاتمة التي رسمت للبنان هذا العام وطريق الإنهيار الإقتصادي الذي حدّد مسار المواطنين أحبط عزيمة الجميع وأفقدهم الأمل ربما بمستقبل أفضل وسرق منهم أحلامهم.. إلا أن طائر الفينيف أبى ان لا ينعش قلوب اللبنانيين ويزرع الأمل فيهم، فأنارت قلعة بعلبك شاشات التلفزة المحلية وتصدّرت الأخبار العالمية لتظهر وجه لبنان الحقيقي وتبعث الأمل بغد أفضل!
فقد أضيئت «مدينة الشمس» بعلبك غناء وفرحاً، مساء امس (الأحد)، في حفلة موسيقية ضخمة من دون جمهور هي الوحيدة لهذا العام في إطار المهرجان اللبناني العريق. وعلى مدى ساعة من الوقت، تابع اللبنانيون عبر المحطات التلفزيونية المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الحفلة التي حملت عنوان «صوت الصمود» وأحيتها الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان.
وتوزع أكثر من 150 مشاركاً بين عازفين ومغني كورس على أرجاء باحة معبد باخوس في القلعة الرومانية المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث، محافظين بدرجة كبيرة على مقتضيات التباعد الجسدي الذي فرضه تفشي فيروس «كورونا» المستجد، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي سينوغرافيا لافتة من توقيع جان لوي مانغي ومشهدية مسرحية متقنة راعت خصوصية الموقع التاريخي ورمزيته، تحلّق المشاركون داخل المعبد الروماني ضمن حلقة دائرية مع هالة نور بما يشبه شمساً ساطعة بخيوط ذهبية في قلب «مدينة الشمس».
كذلك تنقل المشاهدون مع الكاميرا بين زوايا معبد باخوس الذي أضيئت أعمدته بألوان مختلفة طغى عليها الأحمر، مع إخراج تلفزيوني استخدمت فيه أحدث التقنيات البصرية بما يشمل لقطات جوية أظهرت القلعة التاريخية التي وقف على أدراجها كبار الفنانين في لبنان والعالم منذ انطلاق مهرجانات بعلبك قبل أكثر من 6 عقود. وتضمن البرنامج الموسيقي مجموعة منوعة من الأعمال الفنية اجتمعت فيها المقطوعات الكلاسيكية كـ«أو فورتونا» من نصوص كارمينا بورانا و«نشيد الفرح» لبيتهوفن، بالأغنيات اللبنانية من أعمال الأخوين الرحباني إضافة إلى الروك وتحديداً «كشمير» لفريق ليد زيبلين البريطاني. كما عرضت خلال الحفلة على أعمدة المعبد مشاهد تذكّر بأبرز الأسماء التي استضافتها المهرجانات منذ مسرحيات فيروز وحفلات أم كلثوم في الستينات والسبعينات، مروراً بكبار المغنين والمسرحيين وراقصي الباليه في العالم من أمثال إيلا فيتزجيرالد وموريس بيجار ومايلز ديفيس وشارل أزنافور.
وقدم خلال السهرة أيضا الممثل اللبناني رفيق علي أحمد مشهداً مسرحياً مقتبساً من قصة «دمعة وابتسامة» للأديب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران.
تفاعل اللبنانيون مع الحدث عبر وسائل التواصل الإجتماعي بشكل ايجابي كبير، ورغم بعض الإنتقادات التي لا تعبّر عن رأي أصحابها وأفكارهم الحقودة، إلا أن الدلالة الكبرى لهذا الحفل ليست إلا نشر ثقافة الحياة والتفاؤل بين ربوع الوطن الذي غرق في احزانه وهمومه في السنتين الأخيرتين، علّها تكون بارقة تبدّل ايجابي في واقع الحياة في مختلف قطاعاتها .