في صميم صخب الحياة التي كان يعيشها العالم، اخترق كورونا- كوفيد 19 تفاصيل هذه الزحمة بكل حيثياتها ومعطياتها، إيجابياتها وسلبياتها، وفرض سبل عيش جديدة وأعاد الى الحياة مبادىء وتعاليم قديمة في حين أجبر البعض على استنباط وسائل جديدة للتعايش مع فيروس لا أحد إلى اليوم يدرك موعد نهايته!
في المقابل، فإن المجريات المتتالية في العالم لا تنبىء بمستقبل خال من الأمراض، ولا احد يضمن استنباط أوبئة جديدة في سياق العودة الى الحروب البيولوجية لإثبات الأقوى في صراع البقاء في هذه الحياة ، وبالتالي فإن الحياة في المستقبل ستتغيّر لا محالة.
ففيروس كورونا ضرب البشر ولكن هل تساءلنا يوماً عن إمكانية وجود فيروس يضرب التكنولوجيا، من هواتف ذكية وحواسيب وأجهزة متطوّرة؟ ماذا يفعل العالم حينئذ؟
بعيداً من الوضع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيون والأسباب الكامنة وراءه ، فإن الحقيقة الكاملة ان ما قبل كورونا في العالم غير ما بعده، وتحديداً في ما يخصّ نمط الحياة البشرية . وفي سؤال قامت بطرحه مجلة «الفورين بوليسي» على السياسيين والمهتمين في مجال العلاقات الدولية، كيف يمكن لهذا الوباء أن يؤثر بشكل عام على هذه العلاقات الدولية والسياسية، اجمعت كل الإجابات على أن الأولويات قد تتغير باعتماد السياسات المختلفة في الإدارة والاقتصاد، والصحة، والبيئة، والتعليم والعلاقات العامة بين الدول، ونمط الحياة بشكل عام.
في استخلاص بسيط لنتائج كورونا على حياة الإنسان، عبر كثيرة يمكن استكشافها، اوّلها، إيلاء الأهمية الكبرى للقطاع الصحي في البلاد بعد أن صدمنا كورونا بأن نمط الحياة التي نعيشها هش وقابل للإختراق، وأكبر دليل على ذلك ما حصل في ايطاليا ، اضافة الى نموذج لبنان الذي دأب في المرحلة الاولى الى تجهيز المستشفيات العامة وتعزيز قدراتها على مواجهة الوباء وامتصاص كل الاعداد الممكنة.
في المقابل، نلحظ في النتائج ايضاً تحرّر التلاميذ من طرق وآليات التعليم التقليدي الموجود في معظم دول العالم، وهذا سيصاحبه تغيير في مفهوم بناء المؤسسات والمدارس وسيحتّم على المسؤولين التحضير الدائم لخطة “ب” تراعي التطورات وتواكب ضرورات التعليم عن بعد كما حصل في لبنان وفي دول العالم أجمع.
في قطاع الوظائف ، فإن التكنولوجيا سمحت بأساليب عمل متعددة من المنزل دون العودة الى مكاتب الشركات، الأمر الذي قد يفتح الباب واسعاً امام اسلوب عمل جديد يبقي الموظفين في بيوتهم لأكبر وقت ممكن، الامر الذي يسمح للامهات العاملات التوفيق بشكل اكبر بين واجباتهنّ مع اطفالهنّ وتلك المطلوبة في العمل، وتوفيرهن من جهة أخرى لمصاريف الحضانات او المخيمات الصيفيّة، في مقابل توفير اصحاب العمل لمصاريف المكتب من جهة وإمكانية تخلّي البعض عن استئجار او شراء المكاتب الكبيرة لاستيعاب الموظفين واقتصار الشركة على مكتب صغير للإجتماعات الضرورية وغيرها من التدابير القانونية لإنشاء الشركات.
في الحياة الاجتماعية ايضاً نتائج ايجابية، اهمها عودة العائلة للإجتماع اليومي نهارا وليلاً بسبب الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، فضلاً عن تغيّر مفاهيم الاعراس والمناسبات الإجتماعية واقتصارها على عدد قليل من الأهل او الأقارب.
مهما كانت الخسائر البشرية كبيرة بسبب كوفيد 19، لا بد للشعوب والحكومات من التعلّم من كل الخسارات للمضيّ قدماً، وبالتالي فإن الدروس اليوم قد تكون كبيرة بسبب النتائج والتداعيات التي خلّفتها، الامر الذي يحتَم على الجميع التعايش في ظل ظروف متعددة الإمكانيات للتكيّف مع كل الازمات وضمان حق البقاء !!