لا يخلو التطوّر الصناعي من الأضرار الصحيّة التي تظهر على المدى البعيد، وتطال الأطفال بشكلٍ خاص، مما ينعكس على نموهم الجسدي والفكري. إذ أفادت دراسة جديدة أن ما يقرب من ثلث الأطفال في أنحاء العالم، لديهم مستويات مرتفعة من الرصاص في الدم، وهذا التلوث يؤدي إلى تعرّض ملايين الصغار، لخطر الإصابة بضرر عقلي أو بدني يتعذر شفاؤه.
وأظهرت الدراسة التي أجرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وجماعة بيور إيرث (pure (earth البيئية، أن نحو 800 مليون طفل لديهم مستوي خمسة ميكروغرامات من الرصاص، لكل عشر لتر أو أعلى في مجرى الدم، وهي مستويات تعدّ مرتفعة بما يكفي للإضرار، بنمو الأدمغة والأجهزة العصبية والأعضاء الحيوية مثل القلب والرئتين.
أما عن العوامل فهي عديدة وفق التقرير، منها التخلص غير الملائم من بطاريات الرصاص الحمضية، والبيوت المطلية بالرصاص ومستودعات النفايات الإلكترونية، المطلية بالرصاص والأغذية الملوثة بسبب الأواني الخزفية المطلية بالرصاص.
إلى ذلك ، هناك عمليات تدوير بطاريات الرصاص الحمضية، التي تتم بصفة غير رسمية أو لا تمتثل بالمعايير، وهي مساهم رئيسي في التسمم بالرصاص بين الأطفال، الذين يعيشون في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، والتي شهدت زيادة قدرها ثلاثة أضعاف في عدد السيارات منذ عام 2000.
حيث أدت هذه الزيادة المترافقةً مع نقص الأنظمة والهياكل الأساسية، لإعادة تدوير بطاريات السيارات، إلى زيادة بنسبة 50% في عمليات إعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية، على نحو غير آمن ضمن الاقتصاد غير الرسمي.
في الجهة المقابلة، ثمة مصادر أخرى للتعرّض لتلوث الرصاص في الطفولة، بما في ذلك الرصاص في مياه الشرب المنقولة بأنابيب تحتوي مادة الرصاص؛ والرصاص من الصناعات من قبيل التعدين والرصاص الموجود في البنزين – والذي تناقص كثيراً في العقود الماضية رغم أنه كان مصدراً رئيسياً فيما مضى – ولِحام الرصاص في علب الأغذية؛ والرصاص في البهارات ومواد التجميل والأدوية الشعبية والألعاب وغيرها من المنتجات الاستهلاكية.
والخطير في موضوع تسمم الرصاص، وفق التقرير أنه كلما زادت الفترة، التي لا يكتشف فيها التسمم في الدم ويبقى دون علاج، أصبح الأمر أكثر خطورة وربما يكون مميتاً.
على صعيد آخر، تم التعرّف على رابط بين التعرّض لتلوث الرصاص في الطفولة، وبين مشاكل سلوكية وفي الصحة العقلية، وكذلك زيادة في الجرائم والعنف. في حين، يعاني الأطفال الأكبر سناً من تبعات شديدة بما في ذلك زيادة خطر تضرر الكلى وأمراض القلب في مرحلة لاحقة من الحياة.
كذلك من المقدّر أن تتكبد البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، من جراء التعرّض للرصاص في مرحلة الطفولة، قرابة ترليون دولار بسبب خسارة الإمكانات الاقتصادية، لهؤلاء الأطفال على امتداد حياتهم.
على الرغم من سوء الوضع، المتمثل بالمخاطر العديدة للرصاص على أطفال العالم، إلاّ أنّ هناك أمل من الجهة المقابلة، إذ قال رئيس منظمة الأرض النقية، السيد ريتشارد فولر، “الخبر السار هو أنه يمكن إعادة تدوير الرصاص، على نحو آمن دون تعريض العمال وأطفالهم والأحياء المحيطة للتلوث. كما يمكن استصلاح المواقع الملوثة بالرصاص واستعادتها. ويمكن تثقيف الناس حول أخطار الرصاص وتمكينهم من حماية أنفسهم وأطفالهم. أما العائد من هذا الاستثمار فهو هائل: تحسين الصحة، وزيادة الإنتاجية، وارتفاع مستوى الذكاء، وتقليص العنف، ومستقبل أكثر إشراقاً لملايين الأطفال في جميع أنحاء الكوكب”.