يلقي وباء كورونا بثقله على مختلف القطاعات الحياتية في حين أن الحمل الأكبر يتكبّده الأطفال الذين حُرموا من طفولتهم، مدرستهم، أصدقائهم، حريتهم وبراءتهم.

وبالتالي فإنه فضلاً عن إنقطاع التلامذة عن المدارس، لا بدّ من التساؤل حول التداعيات النفسيّة التي يخلّفها الحجر الإلزامي لفترة طويلة نسبيًّا في حين أن الصيف هو الوقت الأساسي لإفراغ الأطفال لطاقاتهم ومكنوناتهم والمدرسة هي المجتمع الأساسي المساهم في تشكيل شخصيتهم وتنمية علاقاتهم الإجتماعية.

بحسب منظمة اليونيسكو، فإن الوباء تسبب في انقطاع 1.6 مليار تلميذ في 190 دولة حتى الآن عن التعليم، وهذا يمثل 90 في المائة من أطفال العالم في سن المدارس.

واليوم وإذ يبدأ العام الدراسي الجديد في أكثر من دولة عبر التعلّم عن بعد، فإن لبنان ينتظر أوا خر شهر أيلول – سبتمبر كي يبني على الشيء مقتضاه. ورغم الحديث عن بدء العام الدراسي حضورياً بنسب معيّنة إلا ان التوقعات الأكثر رواجًا عودة التعليم عن بعد في ظل انتظار موجة ثانية لانتشار الوباء تتزامن مع العودة إلى المدارس.

بين هذه الفكرة وذاك الإعتقاد، فإن التلميذ شئنا أم أبينا قد خسر الكثير في هذه الفترة، علمياً وصحيا واجتماعيا، والأهم نفسياً وأغلب الظن أن حياة معظم الأطفال لن تعود لطبيعتها في الأشهر القليلة المقبلة، وإضافة إلى الانقطاع عن الدراسة، ستؤدي الضغوط النفسية التي تفرضها العزلة في ظل الحجر الصحي، إلى تبعات جسيمة، مثل تأخر النمو المعرفي والعاطفي والاجتماعي. وقد تزيد هذه الضغوط في مرحلة المراهقة من مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية.

لا يمكن إيقاف التعليم في ظل أي ظرف إذا توفّرت وسائل الإستمرارية، لكن مفهوم المدرسة اليوم  في ظل العودة قد يحبط لدى الأطفال المفهوم الحقيقي لها ألا وهو النظام المحدد باللعب والضحك والجدّ، خصوصاً في المراحل التعليمية الأولى عن طريق  نسج العلاقات مع الأصدقاء، اللعب معهم والتواصل الحسي الحركي الدائم في الصف والملعب!!

اليوم وبغض النظر عن ضرورة التعليم، فإن السؤال الذي سيطرح نفسه يتركّز بشكل أساسي على تداعيات التغيرات الحاصلة عبر الحضور الى الصف بالكمامات ومنع اللعب والتواصل الحركي وحتى العاطفي مع المعلمة من جهة وزملاء الصف من جهة أخرى. فضلاً عن القدرة الاستيعابية للطفل عن طريق التعليم عن بعد أو بالتقسيط كما سيحصل حضورياً، اضافة الى ركن اساسي لا بد من أخذه بعين الإعتبار ألا وهو قدرة الطفل على التعاون مع المعلمة من جهة وقدرة الأهل على تعليم أطفالهم من جهة أخرى.

فالأمهات تحديداً لا يتواجدن جميعهنّ مع أطفالهنّ في المنازل، فمنهنّ من يذهبن الى اشغالهنّ ويتركن أطفالهن إما مع الجد والجدة او أحد أفراد العائلة الذين قد لا يستطيعون مواكبة الاطفال في ساعات التعليم عن بعد، فما هي النتائج التي قد تترتّب على ذلك؟ ناهيك عن أن اسلوب التعليم المنزلي يختلف تماماً عن ذاك المدرسي كما تركيز الطفل مع الأهل لا يكون هو نفسه في ظل رهبة الصف والمعلّمة  وكذلك المدرسة بشكل عام!

في النهاية، بين العزلة المفروضة على الأطفال وبين حرمانهم من المدرسة وايجابياتها على شتّى المستويات، وفي حين أن المستقبل القريب مجهول حتى آن، يبدو أن العامل النفسي هو الأهمّ اليوم، في ظل الخسائر المتتالية التي حصدوها الأولاد، وبالتالي ومهما حاول الأهل،  المضغوطون من الأساس، تفيف الضغط عن أولادهم بغية الحفاظ على صحتهم النفسية، فإن الواقعة قد وقعت والتأثيرات قد حصلت والمسؤولية المشتركة تقع اليوم على كافة شرائح المجتمع المحيط بهؤلاء الأطفال لترميم ما تبقّى من صحة نفسيّة هرمت باكراً!

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This