من الصعب جدا ان نختصر معاناة الناس الذين عاشوا الانفجار في بيروت ببضع كلمات مؤثرة فمنهم من فقد اغلى ما عندهم ومنهم من تضرر منزله وخسر جنى عمره والذي عاش لحظة هول الكارثة لا يستطيع ان يعبر عما حدث له كأنه عاش فيلم رعب من دمار وتكسير وصراخ و ضحايا والذي نجا من هذه النكبة كتب له عمرا جديدا الا ان السؤال يطرح نفسه : الى اي مدى تركت هذه الكارثة من اثار نفسية سلبية مدمرة سواء على الطفل ام على الاكبر منه سنا ؟
هول الكارثة والاحتضان
في هذا السياق تحدث الاختصاصي في استشاري طب العائلة و الطب نفسي و امراض المسنين الدكتور وائل كرامة ل greenarea.info حول المراحل الازمة النفسية التي يعاني منها اي شخص عاش الكارثة مما قال :”مايجب معرفته انه عند هول الكارثة يشعر الناس حينها بالاضطرابات النفسية حيث لا يستطيعون الخروج منها بسهولة مما تكون على عدة مراحل منها الصدمة التي يمكن ان تتراوح من عدة ساعات الى ايام حسب حجم الكارثة حيث يمرون بهذه الفترة الصعبة بالقلق و التوتر و الخوف و الرعب من دون ان يستوعبوا بماذا حل بهم حيث يشعرون ان لا احد يساعدهم و ان حياتهم انتهت امام الكارثة التي عايشوها فضلا عن الانتقال الى المرحلة النجدة بمعنى اذا دمر منزل احد المتضررين يحاول ان يزوره في استيعاب المصيبة التي حلت به واضعا امامه السلبية و الايجابية بالتخفيف عنه انه مازال حياّ امام هول الكارثة التي حلت به الى الانتقال الى المرحلة الاخرى عندما ياتوا الناس لمساعدته و احتضانه حيث ان الاحتضان مهم في المجتمع اللبناني على سبيل المثال كالمشاركة في تنظيف المنزل من الزجاج المكسور مما يشعر حينها بانه محاوطا و قد ينتقل الى المرحلة الاخرى في استعادة حياته العادية في العودة الى عمله كالمعتاد بالمقابل نجد اشخاص لا يستطيعون الخروج من مصيبتهم بسهولة حيث يشعرون بالانهيار العصبي خصوصا اذا استغرقت الازمة النفسية اكثر من اربعة اسابيع مما يتطلب الامرالمعالجة مما يعني يظل المتضرر يتذكر كيف حصل الانفجار و من ثم يعيد الحدث الاليم الذي عايشه في ذاكرته مما يتطلب الامر متابعته بصورة عاجلة تفاديا لاي مشاكل نفسية لان اذا لم يخرج من حالته النفسية المتأزمة سيصاب بالاكتئاب مما لا يستطيع العودة الى عمله و يصبح غير منتجا كما و انه لا يستطيع النوم او العودة الى الحياة الطبيعية حيث نجده متوترا ومرعوبا من ان يتعرض الى الانفجار مجددا عندما يمشي في الشارع من ان يحصل له اي مكروه في السيارة كأنه يمشي في حقل الالغام لا يعرف متى ينفجرفيه اللغم مما نعطيه ادوية للاكتئاب مع متابعة للعلاج الاداركي السلوكي بهدف تعزيز لديه الافكار الايجابية في حال تذكر بالحادثة التي عاشها كونه يشعر بالالم الداخلي و هنا علينا ان نتحدث معه عن الحادثة لكي يخرج منها من خلال الاحتضان الاجتماعي الضروري .”
الفاجعة الكبيرة و صمود اللبناني يتخطاها
الا ان الاختصاصية في علم النفس الدكتورة ديزيريه قزي وصفت حجم الكارثة و مدى تأثيرها من ازمات نفسية و تجاوزها بالصمود اللبناني مما قالت ل greenarea.info:” انها كارثة و ليست صدمة بل عدة صدمات اي انها الفاجعة الكبيرة اضيفت الى الموجة التي نعيشها منذ حوالي 8 الشهر من فقر و جوع و ازمة مصارف و كورونا و امراض و الحجر المنزلي و ما نتج عن ذلك من انهيار نفسي حتى اتت الكارثة الكبيرة الغير المنتظرة في المكان و الزمان غير المتوقع كأن نيزك اصاب بيروت ضربت في قلبها من بيوت تهدمت حيث ان الكثير من الناس فقدوا حياتهم عدا المفقودين وجرحى يتالمون وجعا خصوصا الذين تعرضوا للحريق اوبتر في اعضاء اجسادهم .باختصار انها ليلة دموية بامتيازكأننا نشاهد فيلما عندما نرى من يحمل عينه تنزف او يده حيث ان بيروت و ضواحيها كالجميزة نجدها تحتضر هي و مستشفياتها العريقة التي تحملت في الحرب في معالجة عدد الجرحى بدات اليوم عند وقع الانفجارتعالج مرضاها في موقف للسيارات و سط عتمة خانقة رغم كل الازمات التي يمر بها اللبناني فهو يتمتع بقوي البنية والمقاومة الداخلية شخصيته القوية كل ذلك جعلته يتخطى كل محنة يمر بها كون طبعه متجذر في ارضه وصلب لذلك من المؤكد سيتجاوز المرحلة التي مر بها كما ان الميزة الدينامكية عند شبابنا في مد يد العون و المساعدة انها العامل الاساسي ليجعل من اللبناني ان يكون مطواعا و يتحدى المصاعب.”
و اضافت الدكتورة قزي :” اما من ناحية تاثير هذه الكارثة على الولد ففي اللاوعي عنده تبقى في ذاكرته لذلك تكمن معالجته في الاستماع اليه للخروج منها الا ان المشاهد المؤلمة في حال عاش قلب الكارثة ستبقى في ذاكرته اما الاكبر سنا الذي عاش الحرب الاهلية ايقظت الكارثة فيه هذا الجراح مما يجب اخذ كل شيء بعين الاعتباران نستمع لبعضنا و نحاول ان نوعي الامل في شبابنا واطفالنا بالقول لهم انه مهما مررنا من ازمات عبر التاريخ تخطيناها .”
الطفل الاكثر ضحية والمطلوب تفهمه
في المقلب الاخر ان التأثير النفسي من حجم الكارثة على الوضع الصحي النفسي للطفل خصوصا الذي عايش النكبة مما اوضحت الاختصاصية في علم النفس الاطفال الدكتور ميشلين سمورل greenarea.info :”ان وقع الكارثة قوي جدا على نفسية الطفل حتى على الاكبر منه سنا و من الصعوبة ان يتخلص من الصدمة وفق مدى بعده عنها من هنا اهمية دور الاهل لكي يشعروه بالامان و يحاوطونه و يتركونه يعبر عن مخاوفه دون تسخيف ما يشعر به لذلك لكي يتخلص من ازمته يعود ذلك مدى الاذى الذي تعرض له سواء بالاضرار في بيته او لم يمت له احد لذلك تعبير الطفل عن النقزة التي عاشها مهمة للغاية ليتجاوزتدريجيا هاجس صوت الانفجارخلال فترة معينة وينساها مع مرور الوقت . من جهة اخرى كلنا عشنا الحرب الاهلية و نسيناها الا ان الطفل الذي توفوا اهله خلال الكارثة وشاهد جثث على الطريق قريبا مثل الحالة المأساوية فانه لا يخرج منها بسهولة وهنا من الضروري ان يخضع للمتابعة النفسية لانه تعرض الى صدمة قوية مما يكون التركيز في كيفية خروجه منها لان اثارها النفسية بالغة على سبيل المثال اذا رأى غبارا على الطريق يعتقد انه انفجار و هذا يعتبر ردة فعل طبيعيةخصوصا اذا تغرض للاذى اكثر من المحتمل ان يصاب في انهيار عصبي او انه يعمل ردة فعل عكسية ان لا يعبر عن ما يشعر به و انه بطلا متناسيا ما يعانيه انما في العمق متأثرا كثيرا بازمته لذلك من الضروري محاوطته و متابعته و اذا كان الاهل غير قادرين على ذلك فاقل شيء اتباع الوقاية من خلال المبادرات النفسية الاجتماعية .”