في انتظار الوصول المحتّم إلى جهنّم السياسة أو الإقتصاد، يبدو أن التباين بين وزارتي الصحة والداخليّة، معطوف على جهل الناس واستلشاء القسم الأكبر منهم بواقع ما وصل إليه حال “كورونا” في البلد، سيوصلنا إلى جهنّم الوباء في أسرع وقت!!
في البداية، قسم كبير من الشعب اللبناني لا يزال يستهتر بأدنى ضروريات الوقاية الفرديّة، فيساهم بذلك بارتفاع نسبة الإصابات من جهة ويؤذي محيطه العائلي الصغير من جهة أخرى. ويعيش البعض منهم وكأن الدنيا بألف خير لا وباء ولا تعبئة ولا قوانين وقائيّة يجب اتباعها، وأكبر دليل على ذلك ما نراه من إكتظاظ أينما كان من دون استثناء، فالشواطىء البحرية مكتظّة تماماً كالمطاعم والمسابح ، ناهيك عن النزاجيل المنتشرة حتى في البقع الصغيرة من دون أي احترام لا للقوانين ولا لمبدأ التباعد الإجتماعي مع ملاحظة غياب الكمامات بشكل أساسي عن المشهد كلّه. وتأتي بعض الأمهات لترفض دخول الأولاد إلى المدرسة بحجّة أنها غير آمنة، في حين أنها تسرح وتمرح من دون حسيب ولا رقيب لا صحي ولا أخلاقي ولا حتى من قبل القوى الأمنية المناطة بها تلك المسؤولية.
وهنا بيت القصيد، وزير الصحة حمد حسن يلتمس الواقع الإستشفائي الذي استنزفت طاقات طاقمه فيدقّ ناقوس الخطر لفقدان قدرة المستشفيات الإستيعابية مقابل ارتفاع الإصابات بشكل سريع في الآونة الأخيرة… فيطلب إقفال البلد !
في المقابل، وفي حين أن البلد لا يتحمّل اقتصاديا أي إقفال جديد، يغني وزير الداخلية والبلديات على ليلاه رافضاً إقفال البلد على أساس أنه لا يجوز التلاعب بمصالح الناس!!
هي حركات طفوليّة في الردّ على بعضهما البعض، فإقفال البلد حتما ليس الحل ولكن تنظيم الرقابة ومحاضر الضبط ومراقبة تطبيق القوانين هو الأساس، في حين أن هذا الأمر منوط بوزارة الداخليّة بالدرجة الأولى.
لم نشهد منذ بداية الجائحة إلا قوانين تفنّد التعبئة العامة وشروطها، وتعديل مواقيت الفتح والإقفال أو حظر التجوّل في ساعات محددة لم تكن فعّالة أساساً، من دون أن نشهد تحرّكات فعلية للمعنيين في سبيل تأكيد الإلتزام بهذه الشروط والقوانين.
المسابح ممتلئة والشواطىء مكتظّة وكما يقول اللبناني ” العالم متل النمل” ، أما النراجيل فمسموحة أينما كان ، لم نر بأمّ العين أي شرطي سير او دركي او عنصر أمني مهما علا شأنه يراقب حال الطرقات او الإزدحام في أي منطقة أو شارع من شوارع لبنان الصغير. ربما نلحظ بعض المبادرات الخاصة من قبل البلديات – والتي يمكن التعويل عليها في موضوع الرقابة – ولكن أين دور القوى الأمنية في ضبط المخالفات وقمعها وتغريم أصحابها؟ أوّل الغيث كان غرامة الـ 50 الف ليرةة لبنانية لكل من لا يلتزم بوضع الكمامة!! هل زارت القوى المعنية أسواق صيدا؟ طرابلس؟ بيروت؟ هل قامت بجولة على الشواطىء والكورنيش؟
ماذا عن منع النراجيل تحت طائلة المسؤولية؟ ماذا عن تحديد قدرة المطاعم الإستيعابية بـ 30 أو 50 في المائة كحدّ أقصى ؟ هل من يرى استراحات ومطاعم المناطق كافة دون استثناء كيف تطبّق هذه الشروط وما مدى احترامها للمسافات الآمنة؟ هل من مخبر عن استلشاء أصحاب المقاهي خصوصاً في المناطق الجبليّة إضافة الى استلشاء الزائرين وقبولهم بالإكتظاظ الحاصل؟
هل من يدرك ان المدارس قد توقّفت والحضانات علّقت الحضور لفترة معيّنة في حين أن المخيّمات الصيفية او ما يعرف بالـ colonie لم تتوقّف صيفًا؟
ماذا عن الأعراس والمناسبات الخاصة وأعياد الميلاد والقربانات الأولى والعمادات ؟ هل من يراقب التزام الناس بالإجراءات وبالعدد المحدّد في القانون؟
اما المصيبة الكبرى فهي في وسائل النقل العام وخصوصًا الباصات منها، منظر يفتح نفس كورونا لتنغل أكثر وأكثر بين راكبيها!! لا احترام لا لمسافة آمنة ولا لوضع كمامات ولا تعقيم ولا غيرها، ناهيك عن التدخين الذي يزيد من الطين بلّة!
على من تقع المسؤولية؟
بالدرجة الأولى طبعاً على المواطن اللبناني الذي عليه حماية نفسه أولاً ومجتمعه ثانياً، ولكن رقابة القوى الأمنية التي هي من صلاحيّة وزارة الداخليّة هي الأساس..
في المحصّلة، الحلّ لن يكون أبداً بإقفال البلد، بل بتحمّل كل وزارة مسؤوليتها وخصوصًا وزارة الداخلية في إعطاء تعليماتها الصارمة للقوى الأمنية بالتعاون مع البلديات على ضبط المخالفات وتغريم أصحابها بصرامة بدءاً بالمواطن غير الملتزم مروراً بأصحاب الأشغال من مطاعم ومسابح وغيرها من المؤسسات، وصولاً إلى أصغر المناسبات العائلية التي تسبّب بتجمّعاتها ضرراً على بيئتها وعلى المجتمع. فالمطلوب هو الفعل وليس القول والتنظير!