بعد عام تقريبًا من بدء انتشار الفيروس الغامض “كوفيد 19” لم يتمكّن العالم أجمع من اكتشاف لقاح يحدّ من استفحاله ولا أدوية تقمع تداعياته على صحة المصابين. وفي حين عوّل الجميع على الوقت للتخفيف من وطأة هذا الوباء،
إلا أن الواقع أتى بعكس التوقعات. وبعد إعلان فكّ الحجر والإقفال العام في مختلف دول العالم، استفحل الفيروس ليطال أكبر عدد ممكن من الناس، الأمر الذي أجبر سلطات أوروبيّة وعالميّة على فرض الحجر الالزامي التام لفترات طويلة مجدداً، تماما كما حصل في فرنسا وبريطانيا.
لا يحتمل اقتصاد كل البلدان إعلان الإقفال التام، وهو أمر جليّ في لبنان الذي لم يعد لديه شيء ليخسره إلا حياة مواطنيه الذين إن لم يموتوا من الوباء سيموتون حتمًا من الجوع!! وبين معادلة الإقفال لضبط فلتان الأوضاع الصحية من جهة وبين الدعوة إلى الصرامة في تطبيق قوانين الوقاية الفرديّة، قطاع التربية وتحديدا المدارس .. يغرّد خارج السرب وكأن الدنيا بألف خير. وكل ذلك تحت شعار أن الكورونا مستمر ولا بد من التعايش معه تماما كما يحصل في بلدان العالم…
هي حقيقة تعكس الواقع، ولكن شتّان ما بين لبنان ودول العالم في مختلف النواحي الإقتصادية، الصحية، الإجتماعية ، كما في حقوق المواطنين وبنى الوطن التحتية والكهرباء والإنترنت وما إلى هنالك من وسائل تسمح بحياة طبيعية رغم الظروف غير الطبيعية!
أوّل الغيث الإلتباس في وضع المدارس بين واحدة تجبر التلاميذ على الحضور وبين أخرى تمزج بين التعليم الحضوري من جهة وعن بعد من جهة اخرى، وبين مدارس اعتمدت مبدأ التدريس عبر الإنترنت في مختلف الأحوال. في ظل هذا الواقع أين يتّجه مستوى التعليم في لبنان وكيف لمدرسة أن تفتح دون أخرى وفي منطقة دون أخرى ؟ ما الهدف من الإقفال تارة والفتح طوراً مع تلاميذ تتعلّم وأخرى يمنعها الانترنت أو الكهرباء او التكنولوجيا عن الدراسة في حين تقفل المدارس في المناطق المصنّفة موبوءة ويأخذ التعليم مجراه في المناطق الأخرى؟
دوّامة كبيرة يضيع بها التلاميذ والأهل معًا، فحتى وجود الأطفال في المدارس أمر غير محبّب لهم ولغيرهم، فهم ممنوعون من اللعب معًا والإقتراب من بعضهم البعض أو حتى التعاطي في ما بينهم. وفي حين يدرس البعض بشكل مباشر يتعذّب الأهل والأساتذة كما الطلاب في التعليم عن بعد.. إنه واقع الحال في مختلف البلدان نعم، ولكن كيف للمدارس أن تفتح أبوابها في بلد يعاني من انتشار لفيروس فتّاك ينتقل كالنار في الهشيم بين أفراده، من دون أن يرحم لا صغير ولا كبير.. أين الجدوى من فتح مدارس وإقفال أخرى، وماذا عن مستوى التعليم وقدرة الأطفال على الإكتساب، وماذا عن إمكانية الأهالي الوقوف إلى جانب أطفالهم ومتابعتهم وتفهّم أصحاب العمل لواقعهم؟ وماذا عن مدى أهليّة أولياء الأمور الذين تقع على عاتقهم تلقين الأطفال وتمكينهم في ما يتعلمون عن بعد؟ كيف سيكون مستقبل الأطفال ؟ ولماذا هذا التناقض المستمر في فتح المدارس وإقفالها بين أسبوع وآخر. إما تقفل كل المدارس ويكون التعليم عن بعد وإما تفتح جميعها ويكون التعليم حضورياً. وبالتالي فعندما كانت الإصابات تعدّ على الأصابع أقفلت المدارس بشكل كلي، كيف الحال اليوم والإصابات اليومية تعدّت الألف؟
ان لبنان يحاول مجاراة بلدان العالم كلّه بالتأقلم مع جائحة لا أحد يدرك موعد نهايتها، ولكن تقييم الواقع اللبناني من حيث ما هو مؤمّن وما هو معدوم في لبنان إن لناحية البنى التحتية من كهرباء وانترنت أو من ناحية الإستعداد اللوجستي للأهل الذين يعملون معظمهم لتأمين كلفة تعليم أولادهم او من ناحية الدولة التي يجب عليها طرح الحلول وإصدار القرارات بالإشتراك بين وزارات الصحة والعمل والتربية لضمان نوعية جيّدة من التعليم للأطفال وراحة بال للأهالي والأساتذة معاً..
عقبات كثيرة تعترض آلية التعليم في العالم وفي لبنان، ورغم أن التأقلم واجب في هذا الإطار، إلا أن القرارات الموحّدة والدقيقة تبقى هي الأساس في كل تطوّر، فإننا بهذه الطريقة نخسر أولادنا وأعصابنا بعد أن فقدنا شقى عمرنا وقدرة أجورنا الشرائيّة!!