بدأت معالم تلوث الهواء تظهر مع بداية الثورة الصناعية، في القرن الثامن عشر ، حيث أدى التصنيع والنمو السريع لسكان العالم، إلى زيادة في استهلاك الوقود الأحفوري، من أجل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، ونمو في النشاط الزراعي لضمان الأمن الغذائي العالمي، وتراكم في النفايات، وقطع للغابات، مع ما لكل ذلك من تأثير على نوعية الهواء والبيئة عموماً.
ويرتبط تلوث الهواء الداخلي والخارجي، بطيف واسع من الآثار الصحية الحادة والمزمنة، بما في ذلك أمراض القلب والرئة والسرطان بأنواعه المختلفة. فضلاً عن الآثار البيئية، المتمثلة في هطول الأمطار الحمضية، وإضعاف مدى الرؤية على الطرقات، وإلحاق ضرر بالنباتات.
يعتبر هواء المنطقة العربية الأكثر تلوّثاً، بحيث تعزى الانبعاثات المرتفعة على الطرق، في المنطقة العربية إلى قيادة المركبات المتهالكة، والاستخدام غير الفعال للوقود، وضعف التحكم بانبعاثات العادم. فيما تغيب اللوائح التي تضبط نوعية الهواء على الطرقات في معظم الدول العربية، أو تكون منقوصة غير شاملة.
وغالباً ما تتجاوز مؤشرات جودة الهواء في البلدان العربية، القيم التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، بنحو 5 إلى 10 أضعاف في بعض المناطق. ويعزى هذا التدني في النوعية إلى عوامل طبيعية وبشرية. فمن ناحية تتأثر جودة الهواء المحيط سلباً بجزيئات ملح البحر والغبار، ومن ناحية أخرى ترتبط بالنشاط البشري حيث تتركز الانبعاثات.
في هذا السياق، يشير تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد»، إلى أن الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، زادت بمقدار خمسة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب زيادة الطلب على المياه والطاقة والنقل. فيما تؤدي هيمنة سيارات الركاب الخاصة على وسائط النقل، في البلدان الخليجية إلى مضاعفة مشاكل الازدحام المروري وزيادة الانبعاثات. علماً أن المركبات على الطرق العامة في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مسؤولة عن 59 في المائة من انبعاثات أكاسيد النيتروجين في المنطقة، وهي أيضاً تنتج 90 في المائة من ثاني أكسيد الكربون، و75 في المائة من المركبات العضوية المتطايرة.
تعاني معظم دول المنطقة العربية من ارتفاع نسبة الجسيمات المعلقة في الهواء، بحيث تظهر مراجعة بيانات عدة دول في المنطقة، بما فيها مصر والأردن والكويت وسورية وقطر والإمارات ولبنان، أن تراكيز الجسيمات المعلقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون، تتجاوز غالباً القيمة التوجيهية المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية. في حين، يزداد الضرر الصحي للجسيمات المعلقة كلما صغر حجمها.
بينما في دول مجلس التعاون الخليجي، يعزى ما نسبته 54 في المائة، من مستويات هذه الجسيمات إلى الغبار والعواصف الرملية، واحتراق النفط في محطات توليد الطاقة.
لا يقتصر خطر التلوّث على الهواء الخارجي، بل أيضاً الداخلي. حيث تشير العديد من الدراسات التي أجريت في الدول العربية، إلى وجود تلوث كبير للهواء الداخلي. بحيث يرتفع تلوث الهواء في الأماكن المغلقة، بدرجة كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب اضطرار المواطنين للبقاء مزيداً من الوقت في الداخل نتيجة الظروف المناخية، واستمرار تشغيل مكيفات الهواء لساعات طويلة، والتدخين في الداخل، والاكتظاظ.
وعلى نحو واسع، تتأثر جودة الهواء الداخلي في البلدان العربية بتدخين التبغ، ولا سيما انتشار تدخين الشيشة في الأماكن المغلقة. ويعد الأطفال أكثر عرضةً للتلوث الداخلي، لتواجدهم ساعات طويلة في أماكن غير مهواة كالمدارس، التي لا تحتوي على أجهزة تدفئة مناسبة، أو لا توفر معالجة لهواء التبريد.
في الجهة المقابلة، يرتبط تلوث الهواء الداخلي والخارجي، بزيادة المخاطر الصحية، فوفقاً لمقياس عبء المرض العام، الذي يعبر عنه بعدد السنوات الضائعة من العمر، بسبب اعتلال الصحة أو الإعاقة أو الوفاة المبكرة، تصل سنوات الحياة الصحية المفقودة لكل 100 ألف مواطن عربي، بسبب تلوث الهواء إلى 5 سنوات في العراق، و3 سنوات في ليبيا وجيبوتي، وسنتين في مصر، وإلى ما دون ذلك في باقي الدول. وفي دراسة أجريت في لبنان، ارتبط العيش في المناطق الحضرية، بالقرب من حركة المرور بسرطان الرئة. كما ارتبط التعرض لتلوث الهواء، خاصةً أكسيد النيتروجين، بأنواع مختلفة من السرطان.
كذلك تتأثر جودة الهواء أيضاً بالاحتباس الحراري، حيث زادت العواصف الترابية المنبعثة من الصحاري الكبيرة، في شبه الجزيرة العربية من حيث التكرار والشدة على مدار السنوات الماضية، ويرجح أنها تسببت في زيادة معدلات الوفيات والإصابة بالربو، وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى.