يرتكب الإنسان في حياته جرائم متعددة التوصيفات، منها الإنسانية أو الأخلاقيّة، غيرها الماليّة والسياسية .. وكلّها مفاهيم مثبتة في دراسات أو قوانين، في حين أن الجرائم البيئية لا تزال في بعض بلدان العالم ذات مفاهيم مبهمة أو معتّم عليها.
في البداية، يُطلق على العصر الجيولوجي الحالي الأنثروبوسين، لأن أنشطة البشر (الأنثروبو) تؤثر على الحالة الطبيعية للأرض بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل. وأبرز مثال على ذلك هو الغلاف الجوي الذي يجري تغييره من خلال انبعاث الغازات الدفيئة من استخدام الوقود الأحفوري: غاز ثنائي أكسيد الكربون والميثان والكلوروفلوروكربون وما إلى ذلك. يجادل علماء الإجرام بأن هذا أحد أعراض الطلب المتزايد باستمرار من جانب المستهلكين المرتبطين بالرأسمالية، بالإضافة إلى التجاهل شبه الكامل للضرر الحاصل على المدى الطويل، وخصوصًا الاحتباس الحراري العالمي وارتفاع مستويات البحر الناجم عن هذه الانبعاثات.
في ظل تداعيات الإحترار المناخي وانعكاساته المباشرة وغير المباشرة على حياة البشر، لا من تركيز لمفهوم الجرائم البيئيّة لتحديد المسؤوليات من جهة وتثبيت القدرة على المحاسبة من جهة أخرى في سبيل تأمين استمرارية الحياة البشرية التي باتت بفعل الأعمال البشرية مهددّدة بالزوال!!
في هذا الإطار، وفي ظل الإستفحال في أذية الطبيعة ، يقوم محامون دوليون بصياغة خطة لوضع تعريف قانوني «للإبادة البيئية»، تجرّم تدمير النظم البيئية في العالم، وتجتذب الخطة الدعم من الدول الأوروبية والدول الجزرية المعرضة لخطر ارتفاع مستويات سطح البحر. ويترأس اللجنة المنسقة للمبادرة الأستاذ فيليب ساندز، من كلية لندن الجامعية، وفلورنس مومبا، وهي قاضية سابقة في المحكمة الجنائية الدولية (ICC). والهدف من ذلك هو وضع تعريف قانوني «للإبادة البيئية» يكمل الجرائم الدولية الأخرى القائمة مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية. تم إطلاق المشروع، الذي دعت إلى عقده مؤسسة Stop Ecocide Foundation بناءً على طلب البرلمانيين السويديين هذا الشهر، بالتزامن مع الذكرى 75 لبدء محاكمات جرائم الحرب في نورمبرغ لقادة النازيين في عام 1945.
ودعت عدة دول جزرية صغيرة، بما في ذلك فانواتو، في المحيط الهادئ وجزر المالديف في المحيط الهندي، إلى «النظر بجدية” في جريمة الإبادة البيئية في الاجتماع السنوي للدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي. كما أيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفكرة وتعهدت الحكومة البلجيكية بدعمها. كما دعا وزير العدل في حكومة الظل التابعة لحزب العمال المعارض ديفيد لامي، إلى دمج الإبادة البيئية في القانون.
رغم الجهود المبذولة من قبل البيئيين في مختلف أرجاء العالم، ورغم ضرورة تثبيت قانون الإبادة البيئية لما لها من تداعيات على النظم البيئية والإيكولوجية والتنوّع البيولوجي، فإن واقع الحال يعلّق الآمال حول إقرار القانون في حين نتمنى جميعاً تطبيق القوانين جميعها في مختلف المجالات من دون تمييع أو محسوبيات لضمان مستقبل أفضل كي يبقى من يحافظ على البيئة.