لا يدرك المرء من أين يبدأ، بالشكوى أو اللوم، بالتذمّر أو التمنّي، بالإستغراب أو نكران الواقع، بالكفر أو السباب…. أرقام الكورونا مهولة والأسابيع المقبلة ستكون كارثيّة باعتراف الجميع، وبسبب الجميع!!
في كل بلدان العالم يتّحد الشعب والدولة معاً في حلّ أي مصيبة تتطلّب التعاون للوصول إلى النتيجة المرجوّة، إلّا في لبنان، فمصائب قوم عند قوم فوائد، والمصيبة تفرّق ولا تجمع!!
فعلاً هزلت ومن مختلف الجهات، فالشعب بعضه “غشيم” إن عن قلّة معرفة أو عن إدراك تام، والدولة ببعض أقسامها غائبة عن السمع والنظر، فتدفع الفئة الأضعف من المواطنين الثمن غالياً.
بعض الللبنانيين لا يؤمنون بوجود كورونا أو بتداعياتها المميتة، البعض الآخر يحاول مواجهتها بالإمكانيات المتوفّرة، وفئة لا بأس بها تقفل على نفسها في بيوتها مع أطفالها من دون زيارات أو نزهات أو تجمّعات ولقاءات، فتدفع بعزلتها ثمن استهتار الفئة الأكبر من الشعب اللبناني .
قد يفرض واقع الأمور والالتزامات الفرديّة بعض الإستثناءات في التعايش مع وباء لم تكن البشرية على استعداد له، فالموازنة بين الإقتصاد والصحة أمر ضروري تماماً كالالتزام في معايير الوقاية الضرورية عبر وضع الكمامة من جهة وإحترام مساحة المتر الواحد بين فرد وآخر.. أمور من بديهيات العيش لا تتطلّب الكثير ، فبجهد قليل نكسب الكثير.
الوقاية ضرورية ولا تتطلّب الجهود الكبيرة، لكن واقع الحال مخيف لدرجة الرعب، والإستهتار سيّد الموقف :
وزير الصحة الدكتور حمد حسن يحاول ألا يزرع الخوف ولكنّه يحذّر من انتشار كبير للوباء بين اللبنانيين ويطلب الإلتزام بالإجراءات الوقائيّة من جهة وتطبيق القرارات والقوانين بحق المخالفين من جهة أخرى، ولكن!
رئيس لجنة الصحّة النيابيّة الدكتور عاصم عراجي يعلن فقدان السيطرة على الوباء بسبب الفوضى المستشرية ، ولكن!
مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحيّة، وليد خوري، يشدّد على أنّه “لم يعد لدينا عدد أسرّة كاف لاستقبال المصابين بفيروس “كورونا” المستجد، ويوميًّا نواجه مشكلة بإدخال مصابين إلى المستشفيات بسبب النقص بالأسرّة”، ويصرّ على أنّ “المرحلة أكثر من خطرة، وأنّنا متّجهون إلى مرحلة أصعب بعد أسبوع أو اثنين من الأعياد”، ولكن!
في المقابل، تحذيرات مدير مستشفى بيروت الحكومي الدكتور فراس الأبيض دوريّة بأن لبنان دخل مرحلة الخطر بحيث أنّ نسب إشغال العناية الفائقة في بيروت بلغت 92 % وفي جبل لبنان 94 % وفي عكار 100% وفي بعلبك 90%، ولكن!
أقرّ قرار عودة إقفال البلد لمدة 3 أسابيع على الأقل قابلة للتجديد نظراً لمتابعة التطورات الصحية ووضع المستشفيات في الفترة المقبلة.. ولكن!
وزير الداخلية محمد فهمي يُصدر القرارات ، ويُقرّ الغرامات ، ولكن!
نتيجة الـ ” لكن” كارثيّة، وأكبر دليل ارتفاع نسبة الإصابات التي تظهر بشكل واضح عدم التزام فئة كبيرة من الشعب اللبناني بتوصيات وزارة الصحة .
وبالتالي فالمطلوب أكبر من إصدار قرارات والتهديد بفرض غرامات وإقفال بلد ، المطلوب أولا رقابة ذاتيّة لكل مواطن لبناني والتزامه الفردي بقرار الإنضباط وتطبيق المعايير الوقائيّة كافة، وذلك خوفاً على نفسه وأهله وعائلته على الأقلّ. وفي المرتبة الثانية، المطلوب صرامة بتطبيق القرارات التي لا قيمة لها على الورق ولا عبر نشرها على المنابر!!!
كاستثناء في فترة الأعياد فُتحت الملاهي والمطاعم على أساس معيّن من التنظيم واحترام الإجراءات الوقائيّة … أين كانت الرقابة؟ أين الإنضباط؟ إن فلت ملقّ المواطن اللبناني أين القوى المنوطة بتطبيق القرارات الصارمة بحق المخالفين؟
استهتار فردي يقابله استهتار في تطبيق القانون، ففي لبنان اعتاد المواطن على تخطي القانون بسبب غياب رهبة الدولة وفقدان ثقته بتطبيق قوانين مرّعليها الزمن ليجفّ حبرها على الورق !
إقفال البلد أمس، اليوم وغداً لن يحدث فرقاً إن لم ترافقه صرامة في تطبيق القوانين ومراقبة مدى الإلتزام بالإقفال والحجر الإلزاميين ، إضافة إلى تسجيل مخالفات موجعة بحق كل مخالف، فحياة الناس ليست لعبة بين أيادي المستهترين واللا مبالين.
الوباء انتشر، الحالات لم تعد محصورة بضيعة أو بلدة او مكان محدّد ومصادر العدوى باتت مجهولة، والإستهتار سّيد الموقف..
المستشفيات امتلأت وتخطّت قدرتها الاستيعابية من المرضى، الطاقم الإستشفائي هلك، وأفضليّة الطبابة باتت وللأسف للشباب أكثر منها لكبار السن.. نحن مقبلون على السيناريو الإيطالي، والإستهتار لا يزال سيّد الموقف..
قد يكون هذا الإقفال هو الحل الأخير لتفادي الإبادة الجماعيّة، ولكن من دون التزام فهو بلا قيمة ولا طعم ولا لون . هذه هي المعركة الأخيرة، فإما ننتصر عليها أو فلنبدأ بعدّ الخسائر!!