في ظل ما يعيشه العالم من عزلة بسبب جائحة كورونا، يتزايد عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب ، في المقابل كشفت دراسة حديثة أن أشجار الشوارع تساعد على التخلص من حالات الاكتئاب! ولكن للأسف وفي أغلب الحالات، يجري التوسع السريع للمدن دون أي استراتيجية تخطيط لاستخدام الأراضي، والضغوط البشرية الناجمة عن ذلك لها آثار ضارة للغاية على الغابات، والمناظر الطبيعية، فضلا عن المساحات الخضراء في المدن وحولها. وغالبا ما تتفاقم الآثار البيئية لعملية التحضّر بسبب تغير المناخ، وتشمل زيادة التلوث، وانخفاض توافر الأغذية والموارد، فضلا عن زيادة الفقر وتواتر الأحوال المناخية المتطرفة.
في التفاصيل، توصلت دراسة قام باحثون من مركز “هيلمهولتز” الألماني للبحوث البيئية، والمركز الألماني لأبحاث التنوع البيولوجي التكاملي، وجامعة لايبزيغ، وجامعة فريدريش شيلر بمدينة يينا، أن زراعة الأشجار في الشوارع داخل المناطق السكنية الحضرية يساعد على مكافحة الأمراض العقلية التي يتسبب فيها تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.
وفقًا للباحثين فإن وجود الأشجار في الشوارع والأحياء يساعد على التخلص من حالات الاكتئاب في المناطق الحضرية. وأظهرت نتائج دراسات سابقة أن المساحات الخضراء لها تأثير إيجابي على الصحة النفسية للناس. ورغم أن معظم هذه الدراسات تعتمد على التقييمات الذاتية للأشخاص المستطلعة آراؤهم ويصعب تعميمها، إلا أن المجالات الخضراء تبقى عنصرا لا يعطي فقط الجمالية للمدينة بل له تأثير على نفسية السكان أيضا، نقلا عن موقع جامعة “يينا”.
وخلال الدراسة التي شملت حوالي 10 آلاف شخص يعانون من الاكتئاب، ركز الباحثون على معرفة العلاقة بين عدد ونوع الأشجار وقربها من مكان الإقامة وكمية أدوية الاكتئاب التي يتناولونها.واستبعد الباحثون العوامل الأخرى المعروفة في حالات الاكتئاب كالوظيفة والجنس والعمر ووزن الجسم، نقلا عن موقع راديو وتلفزيون جنوب ألمانيا “زود فيست روند فونك”.
ولاحظ الباحثون أن وجود عدد كبير من الأشجار في المنطقة المجاورة مباشرة لمكان السكن (على بعد أقل من 100 متر)؛ يقابله عدد أقل من الوصفات المضادة للاكتئاب لدى المستجوبين. وكان هذا واضحًا أكثر في صفوف الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي تعد الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
وأوصى الباحثون بالاعتناء بأشجار الشوارع في المدن بغض النظر عن نوعها، لأنها يمكن أن تكون بمثابة حل طبيعي بسيط ضد الاكتئاب؛ يضيف موقع جامعة “يينا”.
في الإطار نفسه، أشارت دراسات سابقة إلى الأمورالتي تساهم بها الأشجار والغابات في المدن في جعل المدن أكثر استدامة اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا:
1- يمكن للأشجار أن تسهم في زيادة الأمن الغذائي والتغذوي المحلي، وأن توفر الأغذية مثل الفاكهة، وأصناف الجوز، والأوراق للاستهلاك البشري والأعلاف. ويمكن استخدام خشبها بدوره لأغراض الطهي والتدفئة.
2- تلعب الأشجار دورا هاما في زيادة التنوع البيولوجي في المناطق الحضرية، وتوفر الموائل المواتية والأغذية والحماية للنباتات والحيوانات.
3- يمكن للشجرة الناضجة أن تمتص ما يصل إلى 150 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون سنويا. ونتيجة لذلك، تلعب الأشجار دورا هاما في التخفيف من آثار تغير المناخ. ويمكن للأشجار تحسين نوعية الهواء، وخاصة في المدن التي ترتفع فيها مستويات التلوث، لتجعلها أماكن أفضل صحيا للعيش فيها.
4- التخطيط الاستراتيجي لمواقع الأشجار في المدن يمكن أن يساعد على تبريد الهواء بما بين 2 و8 درجات مئوية، وبالتالي الحد من تأثير “جيوب الحرارة” الحضرية، ومساعدة المجتمعات المحلية الحضرية على التكيف مع آثار تغير المناخ.
5- الأشجار الكبيرة هي مرشحات ممتازة للملوثات الحضرية والجسيمات الدقيقة. فهي تمتص الغازات الملوثة (مثل أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، والأوزون، وأكاسيد الكبريت) وتصفية الجسيمات الدقيقة، مثل الغبار، والأوساخ، أو الدخان، من الهواء عن طريق احتجازها في أوراق ولحاء الأشجار.
6- تظهر الأبحاث أن العيش على مقربة من المساحات الخضراء الحضرية والوصول إليها يمكن أن يحسن الصحة البدنية والعقلية، على سبيل المثال عن طريق تخفيض ارتفاع ضغط الدم، والتوتر. وهذا، بدوره، يساهم في رفاه المجتمعات الحضرية.
7- الأشجار الناضجة تنظم تدفق المياه وتلعب دورا رئيسيا في الوقاية من الفيضانات والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية. والشجرة دائمة الخضرة الناضجة، على سبيل المثال، يمكنها اعتراض أكثر من 15000 لترا من المياه سنويا
8- الأشجار تساعد أيضا على الحد من انبعاثات الكربون من خلال المساعدة على الحفاظ على الطاقة. فعلى سبيل المثال، زرع الأشجار في الأماكن المناسبة حول المباني يمكن أن يقلل من الحاجة لتكييف الهواء بنسبة 30 في المائة، وخفض فواتير التدفئة في الشتاء بنسبة 20-50 في المائة.
9- يمكن لزراعة الأشجار ضمن تخطيط المدن أن يزيد قيمة العقارات بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وأن يجذب السياحة والأعمال.
وبالتالي، فإن التوازن ما بين التمدد العمراني من جهة والمحافظة على مساحات معيّنة من البقع الخضراء أمر منوط بسياسات الدولة التنموية وسياسة البلدية المعنية وبرؤية الفرد الشخصيّة، ولكن التفكير في عصرنا هذا بات محدود بالمنافع الشخصيّة فقط لا غير.. فهل من يتّعظ!
دراسات