يواجه العالم منذ سنوات كوارث بيئيّة وأمراض فيروسية مستجدة وجديدة، تظهر بين الحين والآخر وتفتك بسكان العالم.
هذه التغيرات البيئيّة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة عبث اليد البشرية، مما أدى إلى ظهور مشكلة الاحتباس الحراري. اذ يعدّ تغيُّر المناخ وآثاره على الصحة العامة، أحد التحديات الكبرى التي تواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وينتج عن ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية القاسية زيادة في المخاطر الصحية، كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي وضربات الشمس، بالإضافة إلى الإصابات المباشرة والوفيات.
في حين، تشمل الآثار غير المباشرة لتغيُّر المناخ، انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه والغذاء والكائنات الحاملة للأمراض، وتدهور الأمن المائي والغذائي، والنزوح والهجرة القسرية، واختلال الصحة العقلية والصحة المهنية.
وغالباً ما يكون الأطفال والنساء في البلدان النامية، في طليعة الفئات الأكثر تضرراً خلال فترات الجفاف. ومع ذلك، من الملاحظ أن معدلات الانتحار بين المزارعين الذكور أثناء فترات الجفاف أعلى مقارنةً بالنساء.
على الصعيد العربي، تشير الدراسات المتاحة إلى أن تغيُّر المناخ قد أثّر سلباً على الصحة العامة في المنطقة العربية. وفي حين، شهدت البلدان العربية زيادة في أعداد الوفيات والمصابين بالأمراض المعدية وغير المعدية، ذات الصلة بتغيُّر المناخ، فمن المتوقع أن يكون خطر الوفاة لأسباب بيئية مرتبطة بالعوامل الطبيعية، بين أبناء المنطقة أعلى بنحو من 8 إلى 20 مرة، خلال الفترة بين 2006 و2100 مقارنة بمعدلات الفترة بين 1951 و2005.
وتعد الأمراض التي تنتقل عن طريق الغذاء مشكلة صحية عامة في المنطقة العربية، وإن كانت أعباؤها تتباين بين بلد وآخر. ويسجل إقليم شرق المتوسط، الذي يضم معظم الدول العربية إلى جانب إيران وأفغانستان، ثالث أكبر معدلات الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الغذاء عالمياً. ويوجد نحو 100 مليون شخص يتأثرون سنوياً بهذه الأمراض، ثلثهم من الأطفال دون سن الخامسة.
ويعد تغيُّر المناخ سبباً مهماً للأمراض التي تنتشر عبر النواقل الحية في المنطقة العربية، مثل الليشمانيات والملاريا وحمى الضنك.
مستقبلياً، يتوقع تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية «أفد»، أن تؤثر الزيادات في درجات الحرارة على صحة الإنسان في المنطقة العربية، وذلك إلى جانب عوامل أخرى تشمل التوزيع الجغرافي للأمراض المعدية، ونوعية الهواء والماء والغذاء. ومن المرجح أن تزداد معدلات الإصابة بالملاريا، خصوصاً في السودان ومصر والمغرب. ومن الطبيعي أن تؤدي زيادة العواصف الرملية إلى زيادة أمراض الجهاز التنفسي.
في الجهة المقابلة، سينجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر على السواحل المصرية، وفي منطقة الدلتا تشريد بعض السكان وزيادة مخاطر الإصابة بالاضطرابات العقلية. ونتيجة تغيُّر المناخ، قد تشهد مصر أيضاً زيادةً في الأمراض الطفيلية كالبلهارسيات والليشمانيات والملاريا وغيرها، ويمكن أن تصبح حمى الضنك مشكلة صحية منتشرة ومتوطنة.
كذلك من المتوقع، وفي أكثر من بلد عربي، أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة مستقبلاً، إلى زيادة الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه والغذاء وانتشار حالات سوء التغذية. كما ستزيد الفيضانات من فرص الإصابة بالأمراض الطفيلية، التي تنقلها القوارض والحشرات، والأوبئة التي تنقلها المياه كالكوليرا والديسنتاريا والتهاب الكبد.
أما في ما يتعلق بالتكلفة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة، فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تُعد التكلفة طويلة الأجل لإجراءات التخفيف العالمية، من آثار تغيُّر المناخ صغيرة نسبياً على المدى الطويل، عند مقارنتها بالتوفير في النفقات على الرعاية الصحية، ما يمثل دافعاً قوياً لمزيد من العمل السياسي والفردي.