على مدار العقد الماضي، تتبع علماء الفلك مواقع الانفجارات الراديوية السريعة الغامضة لمعرفة أصولها، بمساعدة تلسكوب هابل الفضائي.
واستعصى على العلماء منذ رصدها في عام 2007، اكتشاف سبب هذه الانفجارات الراديوية الغامضة التي استمرت ملي ثانية في الفضاء. ونظرا لمدى سرعة اندلاعها، يصعب جدا تتبع ودراسة هذه الانفجارات، التي تسمى أحيانا تدفق راديوي سريع (FRBs).
ويمكن أن يساعد تعلم المزيد عن أصل هذه الانفجارات الراديوية الساطعة والمكثفة العلماء على فهم أسبابها.
ووقع اقتراح جميع أنواع النظريات لشرح هذه الانفجارات الراديوية السريعة: الفضائيون، بسبب الفيزياء الغريبة، والنجوم الممغنطة للغاية … وهناك قائمة طويلة من التفسيرات المحتملة الأخرى.
وفي نوفمبر 2020، أعلنت مجموعة من الأبحاث في مجلة Nature عن اكتشاف أول تدفق راديوي سريع منبثق من مجرتنا. وأشار هذا الاكتشاف إلى أن النجوم المغناطيسية، وهي نوع غير عادي من النجوم الميتة، هي السبب في الانفجارات التي تستمر ملي ثانية. ومع ذلك، لم يتم إثبات الصلة بعد بشكل قاطع، ولذلك يواصل علماء الفلك البحث.
وفي ورقة بحثية جديدة، من المقرر نشرها في مجلة Astrophysical Journal والمتاحة كمطبوعة أولية على arXiv، ساعدت الملاحظات باستخدام تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا العلماء على تحديد موقع خمس تدفقات راديوية سريعة للأذرع الحلزونية للمجرات البعيدة، من خلال تتبع ثمانية تدفقات، اكتشف معظمها لأول مرة في عامي 2019 و2020، بينما ما تزال مواقع ثلاثة منها غامضة حتى الآن.
وقالت ألكسندرا مانينغس، عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، والمؤلفة الرئيسية للورقة البحثية: “هذه أول صورة عالية الدقة لمجموعة من التدفقات الراديوية السريعة”.
وكان هابل مكونا مهما في البحث، حيث أن كاشفات FRBs ping القائمة على الأرض، مثل مصفوف الكيلومتر المربع الأسترالي باثفايندر، تسمح بتعقب التدفقات الراديوية السريعة في منطقة من السماء، وقد يكشف التصوير الإضافي للمنطقة عن مجرة هناك، لكنها تبدو مجرد نقاط صغيرة من الضوء. وعندما يتدخل هابل، تزداد الدقة بدرجة كافية لدراسة ميزات المجرات.
وقال وين فاي فونغ، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة نورث وسترن والمؤلف المشارك للدراسة: “في هذه الحالة، أكد هابل وجود أذرع لولبية في هذه المجرات أو هيكل حلزوني مكشوف لم نتمكن من رؤيته من قبل”.
وأضافت مانينغس: “تساعد الدراسة في تحسين فهمنا لهذه الانفجارات غير المعتادة والحيوية واستبعاد بعض المصادر المحتملة. والمجرات التي تم توطين العديد من التدفقات الراديوية السريعة لها هي نجوم ضخمة وشابة نسبيا وما تزال تشكل نجوما”.
لكن الأذرع الحلزونية للمجرة لا تضم عادة أعدادا ضخمة من النجوم الأصغر والأكثر لمعانا.
ويساعد العثور على تدفقات راديوية سريعة هناك على استبعاد سببين: من المحتمل ألا تكون ناتجة عن موت النجوم المتفجرة، والذي يحدث في ألمع مناطق المجرات. كما أنها ليست ناجمة عن اندماجات النجوم النيوترونية، والتي يمكن أن تستغرق مليارات السنين حتى تحدث ولا توجد عادة في الأذرع الحلزونية.
ولا يستبعد العلماء إحدى النظريات الرائدة في إنتاج التدفقات الراديوية السريعة، وهي المغناطيسية، حيث تطلق هذه النجوم مجالات مغناطيسية فائقة القوة، ويُعتقد أنها تتسبب في إطلاق شعلة راديو في الكون.
وما يزال هناك احتمال أن تكون بعض التدفقات الراديوية السريعة المكتشفة من الأرض ناتجة عن شيء آخر غير النجوم المغناطيسية، ولكن يبدو أن الأدلة تتراكم لصالحها مع كل دراسة جديدة.
وقال فونغ: “بسبب الحقول المغناطيسية القوية، فإن النجوم المغناطيسية لا يمكن التنبؤ بها تماما. وفي هذه الحالة، يُعتقد أن التدفقات الراديوية السريعة تأتي من توهجات من نجم مغناطيسي شاب. وتمر النجوم الضخمة بتطور نجمي وتصبح نجوما نيوترونية، يمكن أن يكون بعضها ممغنطا بقوة، ما يؤدي إلى توهجات وعمليات مغناطيسية على أسطحها، والتي يمكن أن ينبعث منها ضوء الراديو”.
وأوضحت مانينغس أنه كلما لاحظوا المزيد من الدفقات الراديوية، زاد عدد الباحثين الذين يدركون مدى تنوعها، ما قد يعني أن أنواعا مختلفة من التدفقات لها أصول مختلفة.
وأضافت: “ليست لدينا أعداد كبيرة بما يكفي لتحديد تعقيدات أصل التدفقات في الوقت الحالي، لكن القيام بذلك يعد احتمالا مثيرا”.
ومع إضافة قدرات تقنية جديدة وتلسكوبات لاسلكية في المستقبل، يأمل فونغ ومانينغس في تتبع المزيد من التدفقات الراديوية والتعرف على المجرات المضيفة.
وقال فونغ: “نحن حقا في أفق حقبة مهمة من الاكتشافات. العثور على هذه الأحداث المحلية هو جزء رئيسي من اللغز، وقطعة أحجية فريدة جدا مقارنة بما وقع إنجازه من قبل. هذه مساهمة فريدة من هابل”.
المصدر: سي نت