يلعب الانسان الدور الاكبر في ايذاء البيئة من حوله، عن دراية أو غير دراية منه. ومن تصرفاته المؤذية للبيئة انتشار النباتات الغازية، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات سلبيّة، اذ يعتبر تدمير الموائل الطبيعية وانتشار الأنواع الغازية، أهم عاملين في فقدان التنوع الحيوي.
وفي المقابل لا يزال التقدم محدوداً في السيطرة على الأنواع الغازية، وهي حيوانات أو نباتات غريبة جرى إدخالها عن طريق الخطأ أو قصداً إلى بيئة لا توجد فيها عادةً، فانتشرت وأصبحت مدمرةً أو مثيرةً للقلق.
لا تقتصر أضرار النباتات الغازية على المستوى البيئي فقط، بل ايضا تطال المستوى الاقتصادي. هذا ما يؤكد عليه، بحث نشر في دورية “نيتشر” خلال شهر مارس (آذار) الماضي، إلى أن الأنواع الغازية تسببت بضرر اقتصادي عالمي يقدر بنحو 1.28 تريليون دولار منذ سبعينات القرن الماضي.
كذلك يشير البحث إلى أن فاتورة الخسائر الناتجة عن الأنواع الغازية، كانت تتضاعف كل ست سنوات، بحيث وصلت إلى 162 مليار دولار سنة 2017. ولا تشمل هذه الأرقام الأضرار التي يتعذر قياسها، مثل انبعاثات الكربون وفقدان خدمات النظام البيئي.
هناك العديد من الاسباب وراء انتشار النباتات الغازية، منها المشاريع الضخمة التي تلعب دوراً مؤثراً في نشر الأنواع الغازية، حيث تسبب شق قناة السويس، مثلاً في انتقال مئات الأنواع غير الأصلية من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، من بينها سمكة الأسد السامة.
في حين يعتقد أن بعض الأنواع الغازية تنتقل من مكان إلى آخر بفضل الطيور المهاجرة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى شجرة “التبغ الكاذب”.
على صعيد الكائنات الحيّة، تؤدي التجارة بالأنواع الحية إلى تعزيز فرص انتقال الأنواع الغازية إلى موائل جديدة. ولعل طائر المينا الهندي، الذي تسلل إلى بلدان عربية عدة عبر تجارة طيور الزينة، أحد أكثر الأنواع التي لفتت الأنظار خلال السنوات الماضية، بسبب قضائه على الطيور المنافسة وتعديه على المحاصيل الزراعية.
هناك العديد من الأمثلة على كيفية انتقال النباتات الغازية، اذ كثيراً ما يفتح الاهتمام بإكثار الأنواع النباتية الغريبة الباب أمام انتشار الأنواع الغازية. فنبتة “لانتانا كامارا”، على سبيل المثال، هي واحدة من أسوأ 50 نوعاً غازياً حول العالم، حيث تعمل تجمعاتها الكثيفة على الإقلال من التنوع الحيوي، وزيادة مخاطر الحريق في الغابات المطيرة الجافة، وإقلال الإنتاج الزراعي بتداخلها مع المحاصيل، وزيادة الجريان السطحي وتآكل التربة، إلى جانب احتوائها على مواد سامة، وتوفيرها الموائل لحوامل الأمراض مثل البعوض وذبابة “تسي تسي”.
وكمثال آخر، هناك “كوليربا تاكسيفوليا” وهو طحلب بحري غاز موطنه الأصلي المحيط الهادئ والبحر الكاريبي، ويستخدم على نطاق واسع كنبات زينة في أحواض السمك. وأصبح ينتشر على أكثر من 15 ألف هكتار من قاع البحر. ويوصف هذا النبات على أنه “طحلب قاتل” يخنق الأنواع الأخرى من الطحالب والأعشاب البحرية ومجتمعات اللافقاريات، عن طريق منافستها على الغذاء والضوء أو بسبب تأثيراته السامة. ونظراً لقضائه على موائل الأسماك، يتسبب الطحلب القاتل في تراجع عوائد الصيد. ويؤدي تغذي بعض أنواع الأسماك، مثل سمك الدنيس والشلبة، على هذا الطحلب إلى تراكم السموم فيها مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري.
في الجهة المقابلة، لا يخلو العالم العربي من هذه النباتات التي انتقلت اليه بطريقة أو بأخرى، فوفق قاعدة البيانات العالمية للأنواع الغازية، يوجد في العالم العربي 225 نوعاً حياً غازياً، من بينها 114 نوعاً نباتياً. ومن ضمن هذه الأنواع النباتية يوجد نوعان يصنفان ضمن قائمة العشرين الأخطر عالمياً، هما نبات القصب وطحلب “كوليربا تاكسيفوليا” .كذلك القصب الذي ينتشر ويستخدم كثيراً في الدول العربية ويعد نباتاً أصيلاً في بلاد الشام، فإنه يصنف نباتاً غازياً في البلدان العربية الأخرى.
بينما تغض معظم البلدان العربية النظر عن مخاطر نبات القصب على النظم البيئية والمجاري المائية، بسبب عوائده الاقتصادية الظاهرة. فهو يزرع كسياج في الأراضي الزراعية، كما يستخدم في صناعة الحصائر والأسقف والجدران الخفيفة، ويستفاد منه كوقود للتدفئة والطبخ.