انتهى العام الدراسي !

أُعتقت الأمّهات، تحرّر الأولاد وارتاح المعلّمون والمعلّمات.

تجربة التعليم عن بُعد التي فرضتها  جائحة “كوفيد 19” في مختلف أصقاع الأرض، تفاوت نجاحها بين بلد وآخر ، منطقة وأخرى، مدرسة وأخرى وتلميذ وآخر .

في المحصّلة حان وقت التقييم، الإختلاف سيّد الموقف في هذه المرحلة، فالمهمة كانت صعبة على القطاع التعليمي بالدرجة الأولى، مرورًا بالتلاميذ ووصولًا إلى الأهالي الذين لم يتمكنّوا بغالبيتهم من متابعة دروس أولادهم أوّل بأوّل .

الأساتذة الذين اعتادوا التعامل مع أطفال عبر اتّصال مباشر معهم بحواسهم كافة، انتقلوا لتبادل الأفكار مع شاشة في وقت محدّد وسريع، تبدّلت أساليب تعليمهم كما تحضيراتهم لصفّهم، اختُرقت خصوصيّاتهم  بوجودهم أمام أعين الأهل المراقبة والمتسمّرة لكشف “الأخطاء”، الأمر الذي رفع من منسوب التوتّر والمسؤوليّة ..

التلاميذ، وخصوصًا الأطفال منهم، الذين حُرموا من أبسط حقوقهم، تحوّلوا إلى متلقّين لا حول ولا قوّة لهم على المناقشة واكتشاف الذات بسبب ضيق الوقت من جهة وعدم تمكّنهم التقني من التعامل مع التكنولوجيا، فضلًا عن فقدان رهبة الصفوف وقوانين المدرسة المحفّزة على الصرامة والجدّية من جهة أخرى.

أمّا الأهل، فمنهم من كان حاضرّا، وآخرين غابوا عن أطفالهم بشكل كامل لأسباب أقوى منهم، في حين أن فئة كبيرة حاولت المتابعة مع الأساتذة في سبيل تعويض ما قد غفل عنه أولادهم!

لا شكّ انها التجربة الأقسى منذ زمن بعيد على الفئات الثلاثة مجتمعة، والمعركة قد فُرضت على الجميع بالتّساوي، والأكيد أنه لا يمكن لأي فريق رمي المسؤولية على الآخر في أي تقصير قد حدث، فالمشكلة عالمية، والحل لا يمكن أن يُلقى على مسؤوليّة فريق دون آخر..

الأساتذة  حاولوا قدر المستطاع القيام بدورهم كاملًا، ولكن الامور ليست بسهلة، فشروط وأسس التعليم عن بُعد تختلف من ألفها إلى يائها عن تلك المرتبطة بالتعليم الحضوري، الأمر الذي يكون قد ساهم بشكل أساسي بظلم مدرّس دون آخر والتنويه بغيره دون أي أستاذ آخر.

أما الأهل، فقد لعبوا الدور الأكبر في متابعة أولادهم والتأكّد من اكتسابهم أكثر ما أمكن من منهج تعليمي محدّد لصفوفهم، وقاموا بدور الأهل، المعلّم والتلميذ معًا.

الحلقة الأضعف، أبطال اليوم، أولادنا الذين قلبوا المقاييس وكبروا قبل أوانهم، حُرموا من أبسط حقوقهم وتسمّروا امام شاشات الكبار ليتعلّموا من دون أن يخسروا سنين عمرهم .. غصبًا عنهم.

هي معركة ثلاثية لصالح مستقبل الاطفال، دخلها إضافة إلى هؤلاء، الأهل والأساتذة طوعًا رغم الكلل والملل والتذمّر، لأنها فُرضت على الجميع، فكانت الحرب أقوى من الكلّ، ولكن الإنتصار حتميّ، لأن التعليم رسالة والأطفال أبطال والأهل واجباتهم العمل على ضمان مستقبل أولادهم. فلا منّة لأحد على أحد، بل الشكر للفئات الثلاثة على الجهود والتعب وحصاد النتائج!!

هذا الحصاد قد تختلف غلّته بين شخص وآخر، وقد لا يتوافق رأي الكثيرين مع هذا الرأي، ولكننا لا يمكننا أن نرى سلبيات التعليم عن بعد دون إيجابياته!!

نعم، سمح التعليم عن بُعد للأهالي أن يدخلوا إلى صفوف أولادهم والتعرّف على أساتذتهم ،على محبّتهم، عصبيّتهم، شغفهم بالتعليم، تعاملهم مع أطفالهم، أساليب التعليم وغيرها.. أعادهم إلى صفوف الدراسة فاستطاعوا بذلك أن يتأكدوا أكثر فأكثر من صحة اختيارهم للمدرسة ، أصبحوا أكثر قربًا من من سلّموهم  فلذات اكبادهم لتثقيفهم وتعليمهم الحرف، الأبجدية والتاريخ!!

كانت فرصة لبعض الأهالي أن يدركوا أهميًة التعليم وصعوبته، فيساعدوا المدرسة والأولاد في ما بعد للوصول إلى المبتغى المنشود من دون تذمّر.

نعم، سمح التعليم عن بعد للأهالي أن يدركوا قدرات أطفالهم الذهنيّة، ويستكشفوا خفايا شخصياتهم  وطرق تعاملهم مع أساتذتهم كما جعلهم أساتذة جدد استجمعوا المعلومات القديمة التي اكتسبوها في صغرهم ليعطوها لأطفالهم، فبات التفاعل أكبر بين الأهل والأولاد ولهدف أسمى-رغم الأجواء المشحونة التي كانت تخيّم بسبب عدم تركيز الأطفال – كما قرّب البعض من عالم التكنولوجيا  وأدخلهم إليه من دون ان يدروا.

نعم، فتح التعليم عن بعد المجال واسعًا أمام الأهل كي يتقرّبوا من الأساتذة ويدركوا أهميتهم في حياة أطفالهم، ويقتنعوا أكثر فأكثر بالتعب الذي يتكبّده هؤلاء من أجل إيصال الفكرة والكلمة والحرف.

نعم، سمح التعليم عن بعد للأساتذة باكتشاف قدراتهم عبر تحدّي ذاتهم لاستعمال التكنولوجيا لخدمتهم ومصلحة أعمالهم، قرّبهم من طلّابهم عبر دخولهم إلى كل بيت من شاشة الحاسوب أو الهاتف أو مختلف أدوات التواصل، الأمر الذي سهّل تواصلهم مع الاهالي لمساعدة أطفالهم على اكتساب اللازم .

صحيح أن المنهاج اختُصر، ومستوى الإكتساب لم يكن هو نفسه مع التعليم الحضوري، لكن في المقابل، لا يمكن الاستهزاء بالعامين الدراسيين السابقين لأن التعب والمجهود فيهما مضاعفين والنتيجة مرضية حتى ولو لم تكن كاملة!

في النهاية، يبقى التقييم مسألة فردية مرتبطة بالخبرة الشخصيّة لكل فرد، وفي حين قد لا توافقني الرأي فئة كبيرة من المعنيين، لكن كلمة الحق تقال، رغم السلبيات الكثيرة، إلا أن بعض الإيجابيات ملحوظة، فأطفالي أبطال بالمستوى الذي حصّلوه في عام استثنائي بكل مشاكله ومطبّاته، أطفالي أبطال لأنهم تقبّلوا واقعهم فتعبوا ووصلوا، والشكر الكبير لهم، لأساتذتهم ولنا كأهل لأننا معًا استطعنا على قدر المستطاع وبأقلّ الأضرار الممكنة إيصال أطفالنا إلى برّ الامان من دون أن نتسبّب بخسارة عامهم الدراسي. ورغم أن السنوات المقبلة قد تكون قاسية بسبب ضغط المناهج، ولكن لكل حادث حديث وكما كنّا معهم اليوم سوف نبقى معهم دائمًا، نحن وأساتذتهم معًا!

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This