لا يدرك المرء فعلًا في لبنان ماذا ينتظره بعد، فجهنّم التي حذرونا من الوصول إليها بتنا نعيش في صلبها، وإذ لا يكفينا شرّ السياسة والإقتصاد والمال وكورونا، استعرّت نار جهنّم بأحراج منطقة القبيات العكاريّة وجوارها.
ورغم التحذير السنوي من كوارث الحرائق المهددة للمساحات الحرجية في البلد، إلا أن النتائج هي نفسها في كل صيف، حرائق على مدّ عيننا والنظر من دون أي قدرة على السيطرة عليها بسبب غياب الإحداثيات الأساسية وخصوصًا الطوافات للوصول إلى أماكن لا تستطيع فرق الدفاع المدني الوصول إليها .. فتقع الكارثة والخسارة الكبيرة .
في لبنان، لا يمكن استبعاد أية فرضيّة، فغالبية الحرائق مفتعلة، والغاية في نفس يعقوب، خصوصا وأن الطامعين بتدمير بيئة لبنان كثر من جهة، إضافة إلى غلاء أسعار المازوت وعوز العالم لخشب التدفئة شتاء، ناهيك عن قوانين البناء وشروط التمدد العمراني .. كلها عوامل تؤدي إلى افتعال الحرائق، من دون أن نضع جانبًا فرضيّة القضاء والقدر أو حريق الصدفة الذي تسببه عوامل الطقس والحرارة .
في المحصّلة، اندلع ظهر أمس حريق هائل في أحراج بلدة القبيات سرعان ما امتدت نيرانه نحو الأحراج المجاورة في بلدة البستان في جرود الهرمل وإلى الجبل المقابل في الأراضي السورية، بعدما أتت النيران على معظم غابات الصنوبر واللزاب في بلدة الرويمة، فيما أعاقت سرعة الرياح أعمال الإطفاء التي تقوم بها فرق الدفاع المدني والهيئة الصحية، واقتربت النيران من المناطق السكنية. وشاركت طوافات الجيش اللبناني وفرق الدفاع المدني ومتطوعين من القبيات ومختلف المناطق العكارية، في عملية إخماد النار لكن سرعة الرياح كانت تحول دون التمكن من إخماد الحريق.
حصد الحريق عشرات آلاف الأشجار الصنوبرية الدهرية المعمرة والغطاء النباتي في “أكبر كارثة بيئية” لهذا العام، وأتت على موائل الطيور والحيوانات وخربت ممتلكات وعزلت منازل وتسببت بمقتل فتى بعمر 15 سنة ابن بلدة كفرتون، وهو يحاول إخماد النيران. وأصيب كذلك، أكثر من 23 شخصا “تمت معالجتهم وأُسعفوا ونقلوا إلى المستشفيات للمعالجة من قبل غرفة عمليات الصليب الأحمر اللبناني”. والحريق الذي أتى على غابة الصنوبر التاريخية بين عدة حرائق نشبت في مناطق عدة بشمال البلاد.
أكّدت رئاسة الجمهورية أنّ “الرئيس ميشال عون تابع تطور الحرائق التي اندلعت في قضاء عكار لا سيّما القبيات وبينو وطلب الى قيادة الجيش والدفاع المدني بذل كل الجهود لإطفائها والحؤول دون امتدادها الى المنازل ومساعدة الأهالي”. وأضافت: “أعطى عون توجيهاته في حال تطورت الحرائق للاستعانة بدولة قبرص للمساهمة في اخماد النيران”.وأجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب اتصالا بنائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، لطلب مساعدة عاجلة من قبرص لإرسال طائرات متخصصة بإخماد الحرائق. وأكد رئيس مجلس البيئة في القبيات أنطوان ضاهر، أنّ “حجم الحريق يُثير الريبة والشكوك إذ قدّرنا مساحته بأكثر من 7 كيلوميترات طولاً، ونطالب بتحقيق لمعرفة أسبابه”.
ودعا مسعود المدعي العام البيئي في الشمال غسان باسيل، إلى فتح تحقيق فوري حول الحرائق المفتعلة وتكليف فرع المعلومات بهذا الملف «لما يملك من تقنيات وخبرة»، مؤكداً أن الأضرار بالغة جداً في محمية غابات عودين الأثرية، وأن الأضرار لا تقل عن 3 ملايين متر مربع.
وفي صباح اليوم، أكّد الأمين العام للصليب الأحمر جورج كتانة أن “حريق القبيات والجوار ما زال مشتعلاً”, من جهته، أشار مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطّار إلى ان “الحريق كبير وهكذا حرائق تطول عادة، ونأمل ألا يطول كثيراً ونعمل بإمكانياتنا للسيطرة عليه”.
تتكرر الحرائق سنويًا، ولا تزال المشاهد المأساوية لعام 2019 راسخة في أذهاننا، وفي حين أن الدولة متقاعسة في مجال تطوير القدرات التقنية واللوجستية للتعامل مع الحرائق بغياب اي استراتيجية منطقية، يبقى الدور الأكبر على البلديات في الرصد والترقّب من خلال برامج متعدةة تظهر أماكن الخطر وتحدد الفترات الزمنيية، ومنها برامج الدفاع المدني و جامعة البلمند المجانية التي تسمح لكل بلدية في نطاقها أن ترصد وتترقّب، الأمر الذي قد يخفف على الأقل من الأضرار او الحرائق عغير المفتعلة التي يمكن ضبطها .. ولكن للأسف فإن مثل هذه البرامج غير مرحّب بها لا إعلاميا ولا بلديا ولا حتى فرديًا.